الحي أبقى من الميت!

نشر في 27-12-2018
آخر تحديث 27-12-2018 | 00:03
 مسفر الدوسري هؤلاء الباقون أكثر من غيرهم، هل هم أولئك الذين ما زالوا مسجلين على قيد الحياة؟! هل هم المقصودون حين نقول: "الحي أبقى من الميت"؟! فهناك أحياء أكثر موتاً من الذين لملموا أجسادهم ورحلوا بها إلى عالم آخر، أحياء يرزقون يمارسون كل وظائفهم البيولوجية بلا كلل، وليس لهم أثر ولا بصمة على جسد الحياة، لا تحتفي بأرواحهم شمس عند شروقها، ولا الصباح يكترث لإلقاء التحية على شرفاتها! والقمر لا يأخذ ظلام أرواحهم على محمل الضوء، أحياء يمرون بأيامهم كظل ملتصق في الأرض، فتمر بهم أيامهم كأشباح تأجل دفنها، بسبب "إجراءات روتينية"، وأحياء آخرون أفسدوا الحياة، بكل ما أوتوا من تعاسة، كئيبون، متشائمون، كارهون لها، ووكلاء تسويق كيف تموت حيا! يسوقون "أسلوب حياة" منافيا للحياة، و"مُفنيا لها" بطرق متنوعة وعديدة؛ إما بنشر السلبية من الحياة عن طريق الفكر، أو التأثير نفسيا، أو حتى عن طريق الدين، ويهرّبون عبر هذه الأنفاق موتاً لكل ما يحض على الحياة، أحياء غلّبوا شر أنفسهم على خيرها، وضيقوا دائرتها حتى لم تعد تسع سواهم، كارهوا الحياة لا يضيفون غصنا أخضر إلى شجرتها "لاصفرارهم"، ولا يجري في حديقة أرواحهم ماء صالح لشرب ورْدِها، هم سور الشوك حول جذعها، حتى لا يلتقط أحد من الناس تفاحة منها، خوفا من أن يبقى خالدا في جنتها، فجنة الأرض عكس جنة السماء، من يذق ثمرتها لن يطرد منها، بل سيدفعه مذاقها لزراعة شجرة أخرى، إلا أن هؤلاء الأحياء أحكموا إغلاق أبوابها، إنهم "خيال المآتى" طاردو العصافير من مزارع الحياة وسهولها المشاع، وهم الشياطين المردة حراس عسلها يعاقبون بالموت من اقترب منه، وهناك أحياء آخرون سلبوا حياة غيرهم بغير حق، أو بظلم أُلِبس ثوب حق، ارتكبوا ذلك بدم وأعصاب باردين، وبأشكال عديدة ومتنوعة، قد يكون القتل أسهلها؟!

هل هؤلاء "الأحياء" هم المعنيون بالأبقى في الحياة من أولئك الذين انتقلوا للدار الأخرى؟! أم أن الأبقى من لا تجف ورقة روحه حتى إن كان في الدار الأخرى؟!

هناك من دُفنت أجسادهم تحت الثرى، وبقي أثرهم عامرا بالندى في الحياة، تظل الحياة قابضة بكلتي يديها بهم حتى بعد رحيلهم، وكأنما هم ما زالوا على قيد الحياة، هل هم الأبقى في الحياة أم هؤلاء الذين يسيرون أحياء لا تكلف الحياة نفسها عناء تذكر ملامحهم؟! هل تعلق الحياة صور من زرعوا حياة في قلوب آخرين على جدران أيامها بطوق ندي من الزهور، أم تعلّق صور من انتزعوا الحياة من قلوب آخرين ومصاصي دم الفرح؟!

أشك أن تكون الحياة بهذا الغباء لتبقي حافظة الود لمن هو ضدها، وتنكر فضل من جمّلها وتقاسم مع آخرين جمالها، أو أنها مجنونة لا يمكن توقع تصرفها. إن ذلك مخالف لعجزنا عن قراءة ما تخبئه لنا في أي لحظة وتسجيل نقطة لصالحها ضدنا، وهذا يجعلنا على يقين بأن الأبقى في الحياة بالنسبة للحياة، هو الحي وإن مات، وليس "الميت على قيد الحياة"!

back to top