ألغوا البصمة وأنقذوا التأمينات

نشر في 23-12-2018
آخر تحديث 23-12-2018 | 00:15
No Image Caption
لم تكن الحكومة تعتقد أن إقدامها على تطبيق قرار بصمة الدوام على الموظفين من ذوي سنوات الخدمة الطويلة سيسبب ارتباكاً تفوق سلبياته الهدف الإصلاحي الذي أرادته، وهو ما يحملها المسؤولية ويضعها أمام القاعدة التي تقول إن «دفع المضرة مقدم على جلب المنفعة».

من الغريب أن تصر الحكومة على هذا القرار غير المجدي، الذي تمخض عنه فكرها ودفعتنا إليه حماستها ورغبتها في أن تبدو حازمة، على أمل، أو وَهْم، أن يتمكن ذلك القرار من إصلاح الهيكل الإداري، وإعادة الموظفين إلى التزامهم بالدوام، لتسير عجلة الإنجاز ونقضي على الفساد والترهل الإداري... فهذه المعالم الوردية للصورة التي أبدعتها خيالات الحكومة انتهت بها إلى خطوة فتحت عليها، وعلى مجلس الأمة ومؤسسات الدولة وموظفيها، سجالات وفوضى وأخذاً ورداً ومحاولات للتهرب من تلك البصمة التي لم نستفد من تطبيقها كثيراً ولا قليلاً، اللهم إلا مسارعة الموظفين إلى البصمة ثم مغادرتهم في الحال ليعودوا إليها من جديد آخر الدوام، هذا إذا عادوا.

لم تدرك الحكومة أن قرارها الألمعي، وشموله من أمضوا فترات طويلة في الخدمة لقرار البصمة بعدما كانوا معفين منه، ثم محاولتها علاج الخطأ بآخر عبر وضع شروط خاصة بهذه الفئة مما زاد الطين بلة والفوضى ارتباكاً، أمور ستكون منفرة من الخدمة تدفع الكثيرين إلى التقاعد، لتجد الحكومة نفسها أمام عبء مالي كبير في حال خروجهم من الخدمة وسط مميزات عديدة ينادى لهم بها، مما يحمل في النهاية خزينة الدولة ما لا طاقة لها به من التكاليف التي كنا في غنى عنها في مثل هذه المرحلة.

لن نعيد تفسير المفسَّر وشرح أبعاد وأضرار الإقدام الحكومي على شمول البصمة للجميع، ولن نعدد سلبياته المالية الكثيرة على مؤسسة التأمينات الاجتماعية، كما لن نقف كثيراً عند ما تسببه هذه الخطوة من هروب إلى التقاعد، الذي جعلته الحكومة، ولو لم تكن تقصد، مغرياً إلى حد كبير يريح الموظف من عناء العمل، ويعطيه امتيازات كثيرة.

لكننا سنسأل الحكومة بعد تطبيق «البصمة» وبعد دخولها بيدها دوامة من السلبيات خلقتها لنفسها وبعد صرخات تحذيرية من الكثيرين خوفاً على مؤسسة التأمينات: هل حقق قرار البصمة هدفه المرجو؟ هل عاد التزام الموظفين مجدداً؟ هل شهدنا طفرة في الإنجازات؟ هل تحسنت مؤشراتنا العالمية بعد قرار البصمة؟ أسئلة إجاباتها كلها واحدة بأن أياً من ذلك لم يتحقق، إذن فلماذا كان كل هذا الضجيج وهذا الإصرار على قرار جرّ علينا تبعات سلبية كثيرة وأدخلنا في دوامة معالجتها؟!

ليس عيباً أن يخطئ الإنسان أو حتى المؤسسة في قرارٍ ما، لكن العيب كل العيب في الإصرار على ذلك الخطأ والتمادي فيه، ومحاولة إخفاء سوآته المتعددة، لذا نقول للحكومة: أريحي جميع الأطراف، وأنقذي مؤسسة التأمينات، التي ستصاب في مقتل يدفع ثمنه الجميع، سواء من الجيل الحالي أو الأجيال المقبلة، أخرجينا من فوضى تشويه قانون التأمينات ومحاولة ترقيعه، وأوقفي تلك السجالات بشأن «التقاعد»... وحاولي أن تعيدي تصحيح الأمور عبر إلغاء قرار البصمة... فالتراجع ليس حماقة بل قد يكون عين الحكمة إذا كان فيه منفعة الجميع.

back to top