تنوير : ماذا أكتب؟

نشر في 20-12-2018
آخر تحديث 20-12-2018 | 00:05
 د. أيمن بكر أحياناً يصيب الكاتب انسداد فكري، فتستعصي عليه الأفكار وتغيب الموضوعات التي يمكن أن يتناولها. وأعترف للقارئ الكريم أني في هذه الحالة الآن؛ حالة تشتت وتدافع لأفكار لا يبقى منها شيء في رأسي لأتتبعه بالنظر والتحليل.

من الممكن أن تكون المشكلة في الكاتب نفسه، فلعله لا يقدر على الوفاء بالتزام الكتابة المنتظمة، وربما يكون غير موهوب بصورة كافية لكتابة موضوع فيه جدة وطرافة وقتما يشاء؛ إذ ما أسوأ أن يقرر الكاتب ملء الفراغ المخصص له، من دون أن يكون في كتابته جديد وإن كان هذا الجديد قليلاً. هذا احتمال معقول، ولا غرابة فيه، فمن الذي يستطيع أن يضمن جدة ما يقول وطرافته طوال الوقت، ومن باستطاعته أن يقرر الكتابة فتطيعه بسهولة كل مرة؟

ثمة احتمال آخر يمكنه أن يتسبب في عصيان الكتابة، وهو أن يكون ما نعيشه معقداً ومربكاً بصورة تصيب الكتّاب أحياناً بالتجمد العقلي من هول ما يرون ومن سرعة الأحداث وتلاحقها. ولنلق نظرة سريعة على أحوال العالم وأهواله التي نعيشها جميعاً.

في منطقتنا حروب طاحنة لا تريد أن تضع أوزارها ويتداخل فيها الحق بالباطل بصورة تعجز العقل عن التمييز، في حين تمرّ دول بمرحلة مخاض صعب في محاولة التغلب على الطائفية القاتلة، في الوقت الذي يضرب الإرهاب فيه هنا وهناك من دون رحمة أو منطق. شعوب تعاني الفساد وإهدار الثروات، وقضية فلسطينية يضربها الانقسام الداخلي والاستهلاك السياسي وابتلاع العدو للأرض بشراهة.

العالم المتقدم يمارس حصاراً علنيا، على محاولات النهوض الاقتصادي والسياسي للدول الصغيرة التي يحب أن يطلق عليها تسمية «العالم الثالث»، في حين لا يسلم «العالم الأول» من قيادات حمقاء تركب عربة رأس المال المتوحش، ومناطق توتر تنذر بحرب عالمية ثالثة. توتر بين أوكرانيا وروسيا، صراع خفي عنيف في مفاوضات خروج إنكلترا من الاتحاد الأوروبي بكل ما يمكن أن يسببه هذا الخروج من مشكلات اقتصادية، ومن دعوات انفصالية ستعلو في أيرلندا واسكتلندا. احتقان مستمر بين كتالونيا وإقليم الباسك وبين الدولة الإسبانية، صراع اقتصادي ضيق الأفق تشعله الولايات المتحدة مع الصين وأوروبا ينذر بانهيار اقتصادي يشبه ما حدث في العام 2008، تنامي للقدرات العسكرية النووية بين أطراف مختلفة: الصين – روسيا- أوروبا - أميركا، وتنافس هذه الدول المحموم لبيع الأسلحة التقليدية لدول العالم الثالث وهو ما يسعى سماسرة الحروب إلى ضمان استمراره، ما يجعل العالم أشبه بمخزن البارود القابل للاشتعال في أية لحظة.

وضع عالمي وإقليمي مربك وربما مخيف، لكنه لا يعني غياب القوى الإيجابية الداعية والساعية إلى السلام والأمن العالميين، بل يبدو الأمر على العكس، فكلما تصاعدت التهديدات انتبهت الكيانات الداعية لنزع فتيل التوتر ونشطت المنظمات الداعية للتعقل والسلام. الأمم المتحدة رغم ما فيها من عوار، جماعات حقوق الإنسان برغم تحيزاتها لمموليها، الحركات النقابية، القيادات الحكيمة، المفكرون وما يقدمون من معرفة تبثها الجامعات العريقة ومراكز الأبحاث، الثقافات والفنون القومية المميزة التي تنشر قيم التعاون والتسامح والجمال، كل ما سبق وأكثر يمثل الجانب الإيجابي الذي يصارع من أجل بقاء النوع الإنساني، والوصول به إلى حياة أفضل. ويبقى السؤال: عن أي شيء أكتب؟

back to top