د. هلا الحلبي: استخدم الكاريكاتور لرواية الحقيقة المرّة

• تؤكد أن على الأديب كشف مواطن العلّة من غير مواربة

نشر في 17-12-2018
آخر تحديث 17-12-2018 | 00:03
في روايتها الصادرة حديثاً «دنجوان القرن الحادي والعشرين»، تتطرق د. هلا الحلبي إلى العلاقة الشائكة عبر التاريخ بين الذكورة والأنوثة، وتحاول من خلال سرد قصص واقعية تصحيح مسار ساهم في تعميق الشرخ بين الرجل والمرأة، مستحضرة شخصيات تاريخية وأدبية لتؤكد أن ما يحاول المجتمع افتعاله من تفاوت في هذه العلاقة هو بعيد كل البعد عن المفهوم الذي تعاطت من خلاله تلك الشخصيات عبر التاريخ.
د. هلا الحلبي روائية وشاعرة وباحثة، وهي بصدد نشر مجموعة من الكتب تباعاً من بينها: «المنحى الصوفيّ الفلسفيّ في شعر أدونيس»، و«مسارات القص العربيّ الحديث»، و«الشخصيّات المضطربة»، دراسة في علم النفس مترجمة، وديوان «في ملكوت الريح».
ما المغزى من اختيار عنوان «دنجوان القرن الحادي والعشرين»؟

لطالما تساءلت هل يختلف الرجل عن المرأة؟ وبمَ؟ ولماذا؟ وكيف تكوّنت شخصيّة الدونجوان المسيطرة على الشرقيّ وإن بنسبٍ متفاوتة، وكيف يفكّر وكيف يحبّ؟ وكيف يتصرّف؟ وما هي الظروف التي أسهمت في ظهور هذه الشخصيّة؟ ومن المسؤول عن تكوّنها؟ لذلك حاولت تقمّص شخصيّة الدونجوان لعلّي أفهمه وأسوّغ أفعاله ونحن في قرن جديد القرن الحادي والعشرين.

في الرواية توجهين رسائل إلى رجالات من التاريخ وصولاً إلى الشاعر نزار قباني، فهل تقصدين من ذلك تحليل قضية الذكورة وما يرافقها من نزعة إلى السلطة والتسلط عبر التاريخ وصولا إلى اليوم؟

من الطبيعيّ أن يخبّئ المرء بعنايةٍ دفتر مذكّراته، والدونجوان يخاف من أن تذوى معالم الدونجوانيّة فهو حريصٌ على تخبئة مذكّراته وهو يوجّه رسائل إلى الجميع، إلى جده الدونجوان الأكبر وإلى ابنه الدونجوان المرتقب، وإلى معشر الشباب جميعاً من دون استثناء. ولم يغب عن باله أن ينظر في رجالات التاريخ عسى ينتفع من تجاربهم. لذلك كان لا بدّ من استحضار هؤلاء الرجال بدءاً من إصرار جلجامش، مروراً بإقدام الإسكندر المقدونيّ، ورفاهية هارون الرشيد، وسطوة شهريار، وجرأة نزار قبّاني... لتكون معلماً في بديهيّاته، وعموداً يتوكّأ عليه، وأنموذجاً يقيس به مهمّاته، ويلهمه في مسيرته.

قصص حقيقية

تحفل الرواية بقصص حقيقية حول علاقات الحب والخيانة وغيرهما... فهل الهدف من الرواية تحليل مفهومي الذكورة والأنوثة أكثر مما هي تصوير مشاهد؟

تزخر الرواية بقصصٍ حقيقيّةٍ حرصت على سردها مغلّفةً بغلالةٍ كي لا تخدش الحياء العام تاركةً للخيال فرصة استنتاج ما يحصل، فالمجالس بالأمانات، وعليّ الحرص كذلك من الوقوع في مهاوي الابتذال. مع العلم أنّ ثمة مزيداً من هذه القصص بل وأكثر تطرّفاً، ولكنّي أشفقت على القارئ وعلى نفسي من أن أتّهم بالمبالغة. وهدفي الكشف عن سرّ الحقد الذكوريّ الدفين إذا جاز التعبير، وتحديد المسؤول عنه وأثره في سعادة الفرد.

تعكس الرواية حالات يعيشها كل من المرأة والرجل في خضم العلاقة مع الآخر، فما الهدف من هذه المقارنة بينهما؟

الرواية عن دونجوان ولكن الحديث بمعظمه عن المرأة، لأنّها هاجسه ومحور اهتماماته، ومحطّ رحاله، وهي من غير أن تدري سبب تطرّفه، فقد عرّضته لضربةٍ قاضية وهو بعدُ غرٌّ، عندما قررت المضيّ في حياتها مع سواه والتخلّي عنه طمعاً باستقرار مادّيّ يتيح لها بدوره لاستقرار عائليّ، وإن على حساب حبّهما. تزرع هذه الصدمة بذور الشكّ في نفسه وتطيح بأيّ ثقةٍ بعاطفةٍ قد تجمع بينهما، فأولويّتها الراحة المادّيّة لا الراحة مع من اختاره قلبها، فينقم عليها وتتواتر القصص على حياته ليتأكّد باللاوعي من ظنونه مع تنامي خبرته واحتكاكه بهنّ، وتزداد الهوّة عمقاً بينهما، ويظهر التطرّف.

تتضمن الرواية انطباعات وجدانية في الحب والحياة والوجود والموت، هل هي خلاصة تجاربك مع الآخر ومع الحياة؟

يختلف عالم الرجل عن عالم المرأة بشكلٍ كبير، وهي مهما برعت في استكشافه تظلّ عند شاطئٍ لا تتعدّاه إن لم تتغلغل إلى أعماقه وتسبر حبّه وتصيد أسراره بتؤدةٍ. عالمٌ لا يكشفه الرجل إلّا لرجلٍ مثله، وهذا الأمر يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما يحصل مع جماعة معيّنة من بلدةٍ في الشمال قريبة من طرابلس، إن غافلتهم وهم يتحادثون لا تفقه شيئاً من حديثهم، ولكن ما إن يشعرون بك حتّى يعودون إلى ارتداء أقنعتهم وكأنّهم حريصون على التكتّم والسرّيّة مخافة أن يتّهموا بالغرابة. ثمة عالم رجوليّ خاصٌّ يحرص أصحابه على سرّيّته، وعلينا أن ننصت جيّداً إلى خفايا نفسه لعلّنا نفقه شيئاً منه. ولقد سأل شابٌّ أخاه الأكبر من الدونجوانية لائماً ومتململاً لأنّه أجهز على فرصه بالتقرّب منهنّ: يا أخي لم تترك فتاةً في الحيّ إلّا وتغزّلت بها؟ ما قصّتك؟ أجابه بثقةٍ كبيرةٍ: والله لم أقل لإحداهنّ أحبّكِ إلا وكانت كلماتي من «صمصوم» قلبي!

فالإخلاص عنده أنيٌّ إذ سرعان ما يقلبه قلبه إلى مقلبٍ آخر ويميل إلى أخرى. والأمر شبيهٌ بأغنية حسام حسني كما أذكرها:

كلّ البنات بتحبّك/ كلّ البنات حلوين/ طبعاً يا سيدي يا بختك/ وانت اللي زيك مين؟/ وانت يا دوب في ثواني/ فيك القلوب دايبين.

حبّه يشبه طفرةً تحتدم حيناً ثم تذوي وتزول وطبعاً هو بحاجةٍ إلى دواءٍ يزيل به أثرها والحلّ يكون باستبدال أخرى بها واصطياد ما يشتهي ووضعه في ثلاجة الانتظار، ريثما يحين قطافها وعليه الإسراع قبل أن تفرغ خوابيه الذكوريّة، لذلك أتت هذه التأمّلات العاطفيّة لتكشف هويّته المخبّأة بعناية وتوضيح موقفه منهنّ.

سريالية وهواجس

في الرواية تعتمدين أسلوب السريالية الكاريكاتورية، لماذا اختيار هذا الأسلوب في التطرق إلى هذا الموضوع بالذات؟

لكلّ كاتب أسلوب يميّزه وبصمة، والأسلوب الكاريكاتوريّ يشدّني وهو خصيصة لا أستطيع الفكاك منها وأصلاً أتمسّك بها ما دمت استطعت إليها سبيلاً، وقد دعا مارون عبّود، وهو كاتب لطالما أعجبت بطرافته، أنّ ثمة مشاكل كثيرة تحلّ بالبسمة أو بالنظرة، فلماذا لا نستخدم هذه البسمة لرواية الحقيقة المرّة ألا تكفينا مرارة الحياة؟

تحفل الرواية بتساؤلات فهل تنم عن الهواجس التي تنتابك من العلاقة بين الرجل والمرأة؟

لطالما كان السؤال فلسفيّاً أهم من الجواب، وأحبّ الاستفهام الذي يضيء عند تقاطع الطرق، ويترك للقارئ حرّيّة اختيار الجواب الذي كنت قد هيّأته أصلاً ليبدو وكأنّ القارئ هو الذي اختاره لا أنا. الاستفهام طريق الحرّيّة التي أعشقها، فهو يترك للقارئ حرّيّة اختيار القرار بموضوعيّة، فلا أحرمه من هذه المتعة بل أدعه يشاركني في إصدار الأحكام بعد سبر الحقيقة وفقه أسبابها.

هل تؤرخين من خلال الرواية للصراع بين الذكورة والأنوثة عبر التاريخ؟

اقتصرت الألوهة قديماً على الأنثى فكانت تُعبد لآلاف السنين إلى أن تحوّل المجتمع من الصيد إلى الزراعة وأطاح الرجل بعرشها واستأثر به ونحّاها جانباً. حتّى إنّ العرب عبدت آلهة أنثى قبيل مجيء الإسلام: اللات ومناة وعزّة، ولعلّها لم تعارض هذا الاستئثار بل استسلمت لقوّة الرجل وترزح تحت قوّة عضلاته ورضخت لفتنة صبواته وتركته يقودها طواعيةً يزيل عنها بعضاً من شظف العيش، لتنصرف إلى رعاية أولادها. لن يبقى ثمّة صراع بين ذكرٍ وأنثى، فالصراع يتطلّب متصارعين اثنين، وهي قد عفّت عن المصارعة مثلما عفّ الإسكندر قديماً عن صراع جيش الأمازونيّات عند لقائه بهنّ.

مكامن الخلل

حول الهدف من طرح هذا الموضوع والرسالة من خلال هذه الرواية، توضح د. هلا الحلبي: «رغبت في عرض اعوجاج لم يعد يجوز السكوت عليه، بهدف محاولة إصلاح العلاقة الشاذّة بين الرجل والمرأة، لعلّنا نبلغ بعضاً من سعادة، ولن تكون لنا طريق سالكة لبلوغها إلا باستئصال مكامن الخلل بعد الإضاءة عليها والاعتراف بها وإيجاد حلول مناسبة لها».

تضيف: «الحلول في يد المجتمع وما على الأديب إلا القيام بواجبه وهو أن يكشف مواطن العلّة من غير مواربة، وآمل ألّا يتأخر المجتمع في إيجاد الحلول فالوضع لم يعد يحتمل التأجيل. ولعلّ المشكلة الحقيقيّة أننا نريد من القديم قوانينه، ومن الحديث ترفيهه، ومن بلاد النفط رفاهيتها، ومن الغرب حضارته باهظة التكليف، فوقعنا في ما لا يحمد عقباه. فلنعِ مكان خطونا وإلا سقطنا في هاويةٍ لا قرار».

الاستفهام الطريق التي أعشقها فهو يترك للقارئ حرّيّة اختيار القرار بموضوعيّة
back to top