مخاطر الاستفتاء

نشر في 16-12-2018
آخر تحديث 16-12-2018 | 00:00
لم تنظم المملكة المتحدة سوى ثلاثة استفتاءات على مستوى البلاد في تاريخها، أولها حول عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1975، والثاني بشأن نظام التصويت البديل عام 2011، والأخير كان متعلقاً بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
 بروجيكت سنديكيت أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بعد تعرضها لهزيمة موجعة، تأجيل جلسة تصويت البرلمان على الاتفاقية التي توصلت إليها مع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي بشأن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد، ونتيجة لذلك، كسبت قضية "تصويت الشعب" - إجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - دعما قويا، لكن هل الاستفتاء هو بالفعل الآلية الصحيحة لتسوية القضايا السياسية التي لا يمكن لممثلي الشعب المنتخبين علاجها؟

تمنح الاستفتاءات الشعب الحق في التعبير عن آرائه، هذه هي المشكلة في عصر يشعر فيه الناس بالاستياء وعدم الرضا عن المؤسسة السياسية، لكن بدون قوانين، فإن الاستفتاء لا يعدو كونه دعوة إلى ثورة من الغضب الجماعي، ويجب تمييز هذا عن قرار السياسة الوطنية. هذا الأخير يضمن التوازن بين مصالح الجميع. وهذه ليست - ولا يمكن أن تكون - مهمة كل مواطن.

في بعض القضايا، ما يُعد جيدا لشخص قد يكون سيئاً جداً بالنسبة إلى الآخرين، وما هو سيئ للآخرين قد يكون أسوأ بالنسبة للفرد، لا يملك معظم الناس الوقت أو المعرفة، ولا يبدون الاهتمام أو الرغبة في اكتساب فهم قوي لمثل هذه الاعتبارات لقضية تلو الأخرى، لكن هذا هو بالضبط ما يلزم لاتخاذ القرارات نيابة عن مجتمع بأكمله.

هذا هو سبب ظهور الديمقراطية التمثيلية، إذ يعهد الناخبون إلى السياسيين ليكونوا على اطلاع، فيستفيدون بشكل كامل من الموظفين الحكوميين، والمعلومات، والتحليل، ويقيمون بدائل ذات منظور طويل المدى.

على السياسيين رفع نتائجهم إلى برلمان مُصَمم لتمثيل المصالح المختلفة من خلال الأحزاب السياسية المتنافسة والدوائر الانتخابية والممثلين، فهم يخضعون للمساءلة عن خياراتهم من قبل الناخبين والمسؤولين المنتخبين الآخرين ووسائل الإعلام المستقلة، في شكل فحص برلماني. يكمن الخطر في قدرة السياسيين على إجراء استفتاء لتجنب المسؤولية عن القرارات الصعبة، فحتى قبل توليه السلطة، قام رئيس المكسيك الجديد، أندريه مانويل لوبيز أوبرادور، بإجراء الاستفتاءات "غير الرسمية" حول قضايا مثل إلغاء مشروع إنشاء مطار جديد بمدينة مكسيكو بتكلفة 13.3 مليار دولار أميركي (والذي تم بالفعل الانتهاء من ثلثه بتكلفة 5 مليارات) ودعم برامجه الاجتماعية وبرامج البنية التحتية الأساسية.

إذن... كيف يمكن للدول ضمان أن يتم التصويت المباشر للسياسة العامة دون تقويض جودة صنع القرار في ديمقراطية تمثيلية؟

وبطبيعة الحال، تستطيع الحكومات ببساطة عدم إجراء أي استفتاء، وهذا هو الحال في بلجيكا وماليزيا وإندونيسيا (حيث أجري الاستفتاء خلال تكثيف الحكم الاستبدادي في الفترة من 1985 إلى 1999)، لكن إذا كانت البلدان لا تزال تفضل خيار الاستفتاء، فعليها أن تفرض قوانين رسمية وتضمن عدم استخدام السياسيين لها لتفادي القرارات الصعبة. أولا، يجب على الدول تحديد وقت استخدامها (على سبيل المثال، فقط فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية)، ووضع حد أدنى للمشاركة، واستلزام أغلبية ساحقة من الأصوات.

في أستراليا، على سبيل المثال، يمكن إجراء الاستفتاءات في ظل ظروف معينة وبدعم الأغلبية فقط في معظم الولايات (بالإضافة إلى الأغلبية المطلقة). يجب تطبيق هذه الحدود في المملكة المتحدة، حيث تتطلب الاستفتاءات ليس فقط أغلبية مطلقة، بل أيضًا أغلبية منفصلة داخل إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية.

من جهة أخرى، يمكن تجنب مخاطر الاستفتاءات من خلال جعلها غير ملزمة، وهنا تسمح فنلندا والنرويج بإجراء الاستفتاءات فقط على هذا الأساس، كما أن لدى السياسيين الأستراليين خيار إجراء الاستفتاءات العامة غير الملزمة.

تعد هذه ميزة أساسية أخرى لاستفتاء فعال: ضمان سيطرة السياسيين على استجابة السياسة، ففي سويسرا، على سبيل المثال، يمكن إجراء الاستفتاء للتعبير عن رغبة الشعب، لكن يجب على السياسيين تحمل مسؤولية صناعة السياسة التي تخدم المصلحة الوطنية على أكمل وجه.

وبالمثل، في استفتاء فبراير 2014، صوتت غالبية الناخبين السويسريين والأقاليم لصالح الحد من الهجرة من خلال نظام الحصص، ولكن مجرد تقديم مثل هذه الحصص كان من شأنه أن ينتهك شروط مشاركة سويسرا في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. وفي عام 2016، اعتمدت الحكومة قانونا يسمح لأرباب العمل بإعطاء الأولوية للباحثين عن العمل السويسريين (دون تقييد حرية انتقال العمال الأوروبيين إلى سويسرا). عند إجراء الاستفتاءات، يجب على السياسيين أيضا تحمل المسؤولية عن قرارات الشعب، ويجب عليهم ضمان حل القضية المطروحة بدقة وتقديم معلومات مدروسة وصحيحة، وفي سويسرا، يخلق تقليد طويل الأمد من المداولات والمشاورات المحلية الطويلة شكلاً بطيئًا من عملية صنع القرارات، ويؤدي إجراء استفتاء دون تداول إلى رد فعل فوري. في أثينا القديمة، مدينة الديمقراطية، صوت المواطنون في اليوم الأول من النقاش لإعدام جميع الذكور في ميتيليني عقاباً على ثورتهم ضد السيطرة الإمبراطورية الأثينية، وبحلول اليوم التالي، غير المواطنون رأيهم، وصوتوا لمصلحة التسامح.

أما في المملكة المتحدة، فأصبحت عبارة مثل "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" و "عدم وجود اتفاق" و"البقاء" متداولة بشكل كبير، مع قيام المؤيدين بدعم وجهة نظر الناخبين. تتمثل إحدى الطرق لمواجهة هذه المواقف الانتخابية - المدعومة باستطلاعات سابقة - في توجيه الناخبين أولاً، للنظر في ما يعرفونه بالفعل حول الموضوع، وما يفهمونه من العبارات الأساسية. يجب أن يحذر السياسيون الذين يجادلون بالاختيار بين ثلاثة خيارات من "تأثير التسوية"، حيث يميل الناس إلى اختيار الخيار الأوسط، بدلاً من النظر في كل منهم بعناية.

لم تنظم المملكة المتحدة سوى ثلاثة استفتاءات على مستوى البلاد في تاريخها: الاستفتاء الأول حول عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1975؛ والثاني حول نظام التصويت البديل في عام 2011، والاستفتاء الأخير بشأن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، ولكنها تستعد الآن لإجراء استفتاء آخر أكثر أهمية.

ومع تواتر الاستفتاءات، يتعين على الدول تحديد قواعد لضمان عدم قيام السياسيين بإساءة استخدامها، وهذا يعني جعل الاستفتاءات غير ملزمة، على الأقل في معظم القضايا، وذلك يعني توفير الوقت والمعلومات والفرصة لإجراء مداولات حقيقية عبر الناخبين، وينبغي أن يخضع السياسيون (أو مستشاروهم) للمساءلة، إذ تم انتخابهم لاعتماد السياسات التي من شأنها تعزيز المصلحة الوطنية، ويجب محاسبتهم على ذلك.

* نجير وودز

* عميدة ومؤسسة كلية بلافاتنيك الحكومية في جامعة أكسفورد.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

هل الاستفتاء بالفعل الآلية الصحيحة لتسوية القضايا السياسية التي لا يمكن لممثلي الشعب المنتخبين علاجها؟
back to top