أوروبا لم تكسب الحرب على الإرهاب

نشر في 15-12-2018
آخر تحديث 15-12-2018 | 00:00
هجوم «داعش» على مجلة شارلي إيبدو في باريس في سنة 2015
هجوم «داعش» على مجلة شارلي إيبدو في باريس في سنة 2015
أثبتت حركات التطرف في أوروبا، بشكل إجمالي، مرونة لافتة، وعلى الرغم من أن الخطوات والإجراءات المضادة للإرهاب قد أضعفت قدرات تنظيم «داعش» في الوقت الراهن فإن الإعلان عن نهاية حرب أوروبا على الإرهاب الآن بات ضرباً من التفكير القائم على الرغبات.
الهدوء الذي اتسمت به عمليات المتطرفين الأصوليين في أوروبا في الآونة الأخيرة قد يدفع المرء الى الاستنتاج بأن الأسوأ قد انتهى، ولكن من المبكر جداً الإعلان عن النصر في المعركة ضد الإرهاب.

لقد هز الهجوم الذي استهدف مجلة شارلي إيبدو في باريس في سنة 2015 أوروبا ودفعها الى مواجهة واقعية جديدة، وتعرضت باريس لهجوم آخر في وقت لاحق من تلك السنة عبر هجمات أسفرت عن مقتل أكثر من 130 شخصاً في هجمات مدوية.

وهذا ما حدث أيضاً في بروكسل وبرلين وبرشلونة بعد وقت قصير، في حين أفضت سلسلة من العمليات الصغيرة في لندن وباريس الى مقتل العشرات وخلقت جواً من الخوف أبقى مستويات الخطر والتهديد عالية.

ولكن الآونة الأخيرة لم تشهد هجمات رئيسية أسفرت عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص منذ صيف عام 2017 وتراجعت العمليات الإرهابية عن العناوين الرئيسة وعن أذهان معظم المواطنين الأوروبيين العاديين، وفي حقيقة الأمر فإن هجمات المتطرفين دعاة العنف هبطت إلى أكثر من 60 في المئة في أوروبا منذ أن بلغت ذروتها في العام الماضي، مما يشير إلى أن أوروبا قاومت الهجمات المستلهمة من تنظيم «داعش».

ولسوء الحظ أن الوضع ليس على هذا النحو، ومن الخطأ قياس التهديد الإرهابي بعدد الهجمات التي جرت، ومن أجل فهم مستوى وطبيعة الخطر يجب ألا ندرس الهجمات الناجحة فقط، بل تلك التي تم إحباطها نتيجة جهود مكافحة الإرهاب أيضا.

وقد شهدت أوروبا حتى الآن في هذه السنة ما لا يقل عن 12 مؤامرة إرهابية موثقة بشكل جيد، وأسفرت 6 منها عن هجمات، كما كانت هناك 11 مؤامرة غامضة لم يتم حتى الآن توثيقها بصورة جيدة تسمح بتحليلها. ويشكل هذا خفضاً بنسبة 50 في المئة في إجمالي عدد المؤامرات مقارنة مع العام الماضي، ولكن هذا الانخفاض لا يعني تراجع مستوى الخطر على أي حال.

وفي حين أسهمت جهود مكافحة الإرهاب الأوروبية المتواصلة في إضعاف قدرات الشبكات الراديكالية لكننا لسنا في مأمن بصورة تامة.

وفي حقيقة الأمر فإن التراجع يأتي في أعقاب بلوغ ذروة العمليات الدراماتيكية التي شهدها عام 2017 وأسفرت عن أعلى عدد من المؤامرات، منذ أن بدأ المتطرفون هجماتهم في أوروبا قبل نحو 25 سنة خلت، وبالمقارنة مع أي سنة قبل 2015 لا يزال رقم المؤامرات في أوروبا عالياً على الرغم من الزيادة الكبيرة في إنفاق الحكومات الأوروبية من أجل تقليص أنشطة الإرهابيين.

وتظهر أنشطة المجموعات الإرهابية في سنة 2018 أن تنظيم «داعش» مصمم على مهاجمة خصومه في أوروبا بأي طريقة ممكنة، ويرتبط معظم المهاجمين بمجموعة ما أو بمؤيديها وبعلاقات مع متطرفين محليين ومقاتلين أجانب، ويتحاورون بشكل نموذجي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أعضاء من تنظيم «داعش».

وتتماهى طريقتهم مع الاتجاهات التي شهدناها منذ ظهور التنظيم في سنة 2014، وقد وقعت هجمات من جانب أفراد شملت عمليات طعن بالسكين واستهداف رجال شرطة كما حدث في بلجيكا.

وشهدنا أيضاً مؤامرات لعمليات دهس بالسيارات في المملكة المتحدة، وتم اعتقال المخطط لهذه العملية في شارع أكسفورد، وأخرى في مدينة كالسروه الألمانية.

وتسهم عملية اعتقال سبعة من مؤيدي تنظيم «داعش» في هولندا كانوا يخططون لمهاجمة حشود عامة بالبنادق والقنابل اليدوية في تذكيرنا بأن الهجمات المسلحة المعقدة مثل تلك التي شهدتها العاصمة الفرنسية في شهر نوفمبر من سنة 2015 مسألة يجب أخذها في الحسبان.

التدخل العسكري

ويمثل التدخل العسكري على غرار ما حدث في العراق في غزو عام 2003 المحرك الرئيس لهجمات الجماعات المسلحة، ولذلك فإن ضعف تنظيم «داعش» على يد الائتلاف المعادي له سوف يفضي بالتأكيد الى عمليات انتقامية.

وإذا تعرضت الشبكات الإرهابية الأكثر نشاطاً في أوروبا الى ضربة على يد قوات مكافحة الإرهاب– ولو بصورة مؤقتة على الأقل– فإن من المحتمل أن نشهد ظهور مجموعات عنف أكثر قوة وتنظيماً.

ومن المرجح أن تضع هجرة نحو 5000 مقاتل أجنبي أوروبي الى سورية الأسس الكفيلة بمثل هذا التطور في المستقبل، ثم إن المتطرفين الأوروبيين يتمتعون باتصالات أفضل مع المجموعات الأجنبية مثل تنظيم «داعش» من أي وقت مضى، كما أن القتال في الخارج أسهم أيضاً في تعزيز الروابط بين المتشددين الأصوليين من الكثير من الدول الأوروبية المختلفة.

ومن المعروف أن تاريخ التطرف والعنف شهد في أوروبا فترات تحسن وتراجع الى حد كبير. وقد يتمثل الجانب الأكثر أهمية في أن المعارك الخارجية أنتجت كادراً من الأشخاص الذين يمكن أن يصبحوا قادة أعمال شبكات وخلايا عنف في المستقبل، وتظهر الدراسات المتعلقة بالجماعات المتطرفة في أوروبا أن مثل هؤلاء الأشخاص المحنكين قد أدوا دوراً حيوياً في التحريض على العنف، وأنهم عملوا من خلال بوابات تطرف مثل حركة الشريعة التي أسهمت في تشكيل جماعات دعم سرية وعملت من السجون عبر دفع مجموعات الى الراديكالية.

وتكتظ السجون الأوروبية بالمتطرفين الأصوليين ومن بين ما يصل الى 1500 مقاتل أجنبي عادوا تم إيداع عدة مئات السجن، وشارك بعضهم في التخطيط لعمليات عنف في حين دعم البعض الآخر تنظيمات مثل «داعش» بطرق أخرى، ويحكم على هؤلاء بفترات سجن قصيرة بصورة نسبية، وفي حين يتخلى بعضهم عن العنف والتطرف ينضم البعض من جديد إلى مجموعات فقدت شعبيتها ويبدو أنها تشكل نمواً وقبولاً.

الوضع في ألمانيا

ويضع أحد التقارير التي صدرت أخيراً عدد المتطرفين في ألمانيا عند 25 ألف شخص، وبحسب معلومات من الاتحاد الأوروبي فإن المملكة المتحدة استقطبت 25 ألفاً، يعتبر 3000 منهم مصدر تهديد وخطر، في حين يظل 500 تحت مراقبة مستمرة، وفي فرنسا حيث غادر نحو 1400 شخص للانضمام إلى المقاتلين المتطرفين في سورية والعراق يثير الوضع درجة مماثلة من القلق والخوف، كما أن أكثر من 20 ألف شخص– بمن فيهم غير إسلاميين– تتم مراقبتهم على أنهم من الجماعات الراديكالية المحتملة و4000 منهم يخضعون لرقابة مستمرة لاعتبارهم من الجماعات الخطرة.

وتعقب موجات الهجمات حالات هبوط في نتيجة تشديد الدول للإجراءات المضادة ثم يتبعها ارتفاع في العمليات بعد سنوات وبدرجة أعلى في أغلب الأحيان، وبشكل إجمالي برهنت حركات التطرف في أوروبا مرونة لافتة، وعلى الرغم من أن الخطوات والإجراءات المضادة للإرهاب قد أضعفت قدرات تنظيم «داعش» في الوقت الراهن فإن من التفكير الرغبي، أي اعتقاد المرء بصحة شيء ما لمجرد رغبته في ذلك، الإعلان عن نهاية حرب أوروبا على الإرهاب الآن.

المملكة المتحدة استقطبت 25 ألفاً من الإرهابيين يعتبر 3000 منهم مصدر تهديد وخطر و500 تحت مراقبة مستمرة
back to top