سدانيات: تجربتنا السياسية

نشر في 08-12-2018
آخر تحديث 08-12-2018 | 00:09
 محمد السداني بتجربة سياسية قصيرة العمر مثل تجربتنا في الكويت لم أكن أتصور أننا من الممكن أن نناقش مصطلحات سياسية عميقة مثل النظام الحزبي والأحزاب اليسارية أو أن تضم الكويت يميناً متطرفاً أو حزباً شيوعياً حقيقياً، وذلك لأن المشهد السياسي لا يحتمل كل هذه التعقيدات التي من الممكن أن نراها في فرنسا أو النمسا أو تونس أو مصر، وأيضاً لم أكن أعتقد أن أفكر في مناقشة مفهوم "حكومة الظل"، فهو مصطلح عميق وخطير وله تبعات كثيرة في المجتمعات التي تحكم بهذه الطريقة من الإدارة.

إنَّ الإدارة الشكلية التي تستجلب من فئات الشعب لكي تمثِّل الشعب، حكومياً وبرلمانياً، هي بطبيعة الحال دمى سياسية تُجلَب لكي تهدأ ثورة فئة دون أخرى وتخمد نار جماعة دون أخرى، والحقيقة أنَّهم – وإن كانوا مسؤولين- فإنهم لا يحلون ولا يربطون شيئاً، إلا ما تمليه حكومة الظل التي وضعتهم وثبتتهم وتذود عنهم في كل شاردة واردة في هذه التمثيلية الكبيرة التي تسمى ممارسة سياسية. إنَّ الأنظمة الهشة التي لا تستطيع أن تواجه الشعب بأفرادها وأنظمتها وتفرض قناعتها أنظمة فاشلة وإن بدا عليها مظهر النجاح والتميز غير الحقيقي، ولعل أحدا يتساءل: لماذا تلجأ الأنظمة إلى مثل هذه الطرق؟ والجواب يكمن في عدم الرغبة في تحمل أي خطأ ممكن أن ينتج بقصد أو دون قصد في إدارة البلد أو طريقة إدارة الموارد البشرية والمالية للدولة، فالدمى التي تضعها حكومة الظل هي أفضل سبيل للتنصل من المسؤوليات السياسية والاجتماعية، فأقصى ما يمكن أن تواجهه هذه الدمى هو الرحيل براتب تقاعدي وجواز سفر مميز؛ لتبدأ مسيرة الدمى الأخرى التي تصفق وتُسبح بحمد الظل وحكومته وإدارته.

والغريب أنَّ مبدأ الخفاء في هذا النمط المحلي الصنع ليس موجوداً، فجميعنا يعرف حكومة الظل جيداً بأفرادها وأشكالها وألوانها، ونعرف جيداً مدى تدخلاتها في كل مفاصل الدولة من الرياضة إلى الاتحادات الطلابية، ولكنَّنا مصممون أن نلقي باللوم على أحد آخر غير الحكومة وظلها، والذي نعرف جيدا أنه مصدر الكثير من مشاهد التأزيم والتراشق السياسي، وأحد أهم أسباب شلل التنمية الحقيقية في البلد.

إنَّ الشخصانية والأنانية والطفولية لا يمكن أن تبني وطننا، ولا يمكن أن يتحلى بها رجال الدولة الذين يسعون إلى بناء وطنٍ مستدام يضم الجميع ويحتضن الكل بمختلف توجهاتهم وآرائهم وتطلعاتهم، وأكثر ما تحتاج إليه الدولة شجاع يواجه الأمر بنفسه وباسمه، لا أن يُحارب نيابة عنه، فلا يدع ساقطا أو لاقطا إلا وجلبه ليدخل في معركة لا ناقة له فيها أو جمل سوى أنَّه لم يعتد على المواجهة ولم ينشأ عليها، لقد حُور مفهوم الظل وحكومته عندنا فصار المفهوم ضيقا لا يتسع إلا لشخص واحد، حتى أنَّني أصبت باليأس؛ لأنَّنا حتى في فساد الممارسة السياسية اخترعنا نمطا جديدا من الظل سيعيش معنا طويلا.

خارج النص:

- في برنامج كوميدي على قناة عراقية جاءت المذيعة لتغازل – أبو علي- صاحب الخمسة وخمسين عاما أمام زوجته التي اشتعلت غضبا، ولكنه وبكل فخر وفرح وسرور ظهر فرحا سعيدا لأنَّه شعر أنَّ الشباب عاد يوما بعدما يئس من عودته أبو العتاهية إلى آخر رجل في حكومة الظل، وبعد مشاهدتي لهذه الحلقة قلت من أعماق قلبي: يستاهل "بوعلي".

back to top