الْمُعَذَّبونَ في الأرض قصة مُهمَلة

نشر في 08-12-2018
آخر تحديث 08-12-2018 | 00:10
 خالد اسنافي الفالح "الموبوءة"؛ اللّقب الذي أطلقه صديق قارئ على مقهى شعبي اعتدت عليه لملاقاة صديق مشترك، هناك تقرأ قصص "المعذّبون في الأرض" لطه حسين لا عبر الورق، بل عبر الحياة، أو هكذا أوحى لي (صديقي) الكاتب، يلتقي الكادحون للتنفيس غالباً، يفرّغون جزءاً ممتلئاً من نفوسهم، حتّى إذا ما عادوا ليلاً إلى زوجاتهم يملأنه لهم مجدّداً.

وجدت نفسي متتبّعاً آليّة (صديقي) الكاتب في التدوين، عندما يتجاوز الطاولات لالتقاط نزر يسير من الكلمات يرتّبها في مقال سوف تقرأونه في الصفحة الأخيرة، إلا أنّي فضّلت التّحديث عليها قليلاً، مستغلاً قدرتي على فك الرموز من حركة الشّفاه.

في "الموبوءة"، وبعيداً عن طاولتي الخارجية المستمتعة بطلاقة الهواء، كان أحد الكادحين في الداخل يملأ رئتيه بالسواد وينفخ، يمسك هاتفه كمن يتخاطب مع متنفّذ! ليشتكي له قائلاً: "يطالبني مديري بالانضباطية، مطالبة مستحقة. يتتبّعني في ميدان العمل، يخصم نصف علاوة النقل من راتبي إذا تأخّرت نصف ساعة من أصل 12 ساعة عمل بنظام النوبات، يحيلني للتّحقيق الداخلي بتهمة الهروب من العمل إذا لم يجدني في موقعي الميداني قبل نصف ساعة من انتهاء عملي، يحيلني كذلك إذا وجدني مستريحاً نصف ساعة ظهرية أو أكثر من ذلك ليلاً. يحيلني إذا نشرت ذلك! ادّعى في لجنة التّحقيق أنّ هناك من تسلّل لموقعي ممّن لا صفة له بالدّخول إليه! علماً أنّ موقعي جزء من عدة مواقع تشكّل حقلاً كبيراً لا يلج إليه إلّا صاحب الصفة، وعبر حواجز أمنيّة تابعة للجهاز التنفيذي للدولة".

مشدوهاً لهذه الشكوى! لماذا تفوّه بها هذا الكادح؟ ومجدّداً يملأ رئتيه بالسواد وينفخ، مبتسماً هذه المرة مع انحناءة للأمام: "ربّما تظنّني شاكياً انضباطيّته، بل العكس، لقد افتقدت منذ زمن مسؤولاً مثله يحاول إعادة هيبة قسمنا أمام أقسام الشركة الأخرى، لقد أفلحت الكثير من محاولاته، وصار العديد من زملائي من أصحاب الوزن الثقيل. محدّثك الذي ملّت زوجته من دفعه ناحية النادي الصحّي أحس بضرورته كلّما أصدر بنطال لباسه الموحّد صوت التّخمة إذا جلس!".

أكتب ما تقرأون خلف ورقة كتاب قديم بطلب لباس جديد.

back to top