من المحور الآسيوي إلى التعثر

نشر في 05-12-2018
آخر تحديث 05-12-2018 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشاركة في قمتين متعددتي الأطراف في آسيا هذا الشهر، ونظراً لأدائه السيئ في الأسبوع الماضي خلال الاحتفال الدولي بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى في باريس، ربما كان حضور نائب الرئيس مايك بينس بدلا عنه قرارا صائبا. تمكن بنس من نشر قوانين الأحادية الأميركية في اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا في سنغافورة، وكذلك في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بابوا غينيا الجديدة.

ولكن بغض النظر عمن يُسَلم الرسالة، من الواضح أن أميركا تفقد طريقها. لم تُحرز السياسة الخارجية لحكومة ترامب "أميركا أولا" أي تقدم ملحوظ، ونتيجة لذلك أصبحت الولايات المتحدة معزولة على الصعيد العالمي، وتم الاستبدال بالمبادرات الدولية للإدارات السابقة شعارات فارغة وإيماءات جوفاء وبالطبع "حقائق بديلة"، ومع لقاء ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين قبل أيام، قد يكون لدى الولايات المتحدة فرصة أخيرة لتغيير الأمور.

عندما يقوم المؤرخون المستقبليون بتفحص الأضرار التي خلفتها إدارة ترامب، فمن المحتمل أن يولوا اهتماما خاصا لانهيار السياسة الأميركية القديمة تجاه الصين. لقد أدرك الرؤساء الأميركيون المتعاقبون على مدى عقود أن الإدارة الدقيقة للعلاقات الثنائية مع الصين أمر حيوي لمصالح الولايات المتحدة الوطنية.

ونظرا إلى الاضطرابات السياسية المستمرة في البيت الأبيض، سيكون من السهل لوم ترامب وحده عن دوامة العلاقات الصينية الأميركية، لكن الصين أيضاً مسؤولة عن الوضع الراهن، ففي حين أن الاقتصاديين على حق في الإشارة إلى أن العجز التجاري الثنائي لا يمكن اعتباره منعزلاً، فإن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة- الذي حقق رقماً قياسياً جديداً في سبتمبر- غير مستدام من الناحية السياسية.

فيما يتعلق بالعديد من العمال الأميركيين، أصبحت الصين رمزا لفقدان الوظائف وانعدام الأمن الاقتصادي، وعلى الرغم من أن الأتمتة مسؤولة عن انخفاض معدل التوظيف في الصناعة الأميركية مقارنة بالتجارة، فقد طورت الصين نفسها لتصبح رائدة اقتصاديا، وبعد سنوات من إجبار الشركات الأميركية العاملة في الصين على نقل التقنيات الرئيسية والملكية الفكرية إلى الشركات الصينية، سيكون من الصعب التغلب عليها.

علاوة على ذلك، أصبح الجيش الصيني مصدرا للقلق بين الحزبين في الدوائر الأمنية الوطنية الأميركية، على الرغم من أن نفقاته الدفاعية تُمثل جزءا بسيطا من نفقات أميركا (وهي نقطة غالبا ما تكون مفقودة وسط كل هذه الخلافات). وفي حين تم إلغاء مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي من قبل محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2016، استمرت الصين في منع الوصول البحري للفاعلين الإقليميين الأصغر هناك، ونتيجة لذلك أطلق الأسطول الأميركي بعثات جديدة لإثبات حقه في التنقل في المياه التي تم تحديدها بواسطة "خط النقاط التسع" الصيني.

ويبدو أن سياسات الصين الداخلية تزيد الأمور تعقيدا، فعلى سبيل المثال أدت معاملة المسلمين الأويغور القاسية إلى سخط دولي، لذلك يجب على الحكومة الصينية أن تحدد كيفية التعامل مع التحديات السياسية للبلاد، ولكن إذا أدرك الصينيون أن كل تحركاتهم موضع شك، فإنهم لن يستطيعوا إلقاء اللوم على مؤامرة دولية، بل ستساهم سياسات الصين في تشجيع خصومها وإضعاف حلفائها.

ومع ذلك لا تبرر أي من الإجراءات التي اتخذتها الصين مؤخرا تحسين ترامب المفاجئ للعلاقات الصينية الأميركية.

إن سياسة الصين متهورة وضعيفة، إذ تُعد الصين موطنا لأكثر من 1.3 مليار شخص ومساهم رئيس في الاقتصاد العالمي، وبغض النظر عن أقوال أو أفعال الحكومة الأميركية، فإن القوة الصينية لن تختفي.

وفي وقت سابق من شهر نوفمبر، أعلن ترامب رغبة الصين في عقد صفقة لإنهاء النزاع التجاري الجاري، ولا شك أنها على استعداد للقيام بذلك، لكن ترامب يتجنب هذا الحوار قبل إجراء محادثات مع قادة أجانب، وبعيدا عن التوصل إلى حل فعال، فإن هذا يشير إلى أنه سيجلب تهوره المعتاد وإهماله للتفاوض مع شي.

نعم، تحتاج الصين إلى تغيير مسارها، خصوصا فيما يتعلق بسياسات التجارة والوصول إلى الأسواق، ولكن مع إعادة تبني إدارة ترامب لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية واتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا، من المرجح أن تركز على قضايا أساسية تولد فرص جذابة، على حساب العمل الأساسي الذي يتطلبه الصراع في العلاقات الصينية الأميركية.

على سبيل المثال، لم ترفع إدارة ترامب أي دعوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الصين، ولم تقم بتعزيز دعم الحلفاء الأوروبيين الذين يشاركون مخاوفها بشأن سلوك الصين، وعلى نطاق أوسع، أثبتت الإدارة أنها عاجزة تماما عن صياغة سياسة متماسكة، ناهيك عن سياسة فعالة، في حين تتمثل صناعة السياسات الجيدة في تحديد الأولويات، فإن سياسة ترامب تدور حول الرغبة في الحصول على كل شيء، وبشكل فوري، والحصول على القليل جداً.

إذا كان إصلاح العلاقة التجارية الثنائية أمرا صعبا للغاية، فربما يتعين على ترامب مواصلة التعاون مع الصين في مجال آخر.

على كل حال، لم نسمع أي شيء عن الكوريين الشماليين منذ فترة طويلة.

* كريستوفر ر. هيل

* مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشرق آسيا، وعميد كلية كوربل للدراسات الدولية، جامعة دينفر، ومؤلف كتاب "القاعدة الأمامية".

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top