لغز الجريمة الغامضة

نشر في 01-12-2018
آخر تحديث 01-12-2018 | 00:00
No Image Caption
في أحلام اختلط فيها الخيال بالواقع عن مصير ما ينتظره من الغربة، وما تخبئه له الأيام في بلاد غريبة عن بلاده، وما تحضر له الأقدار في بلاد تركها من أجل لقمة العيش، صارع في محاولته الإفاقة من النوم والتخلص من روتين يتكرر يومياً بلا جديد وأمل في العودة إلى الوطن. كعادته كل يوم استيقظ آدم من نومه متأخراً عن عمله مع الكسل الذي يعتري جسده، كان آدم محاسباً في إحدى المؤسسات التي تعمل في مجال تجارة الأدوات المنزلية، هو شاب مصري تبدو على ملامحه المتانة، كثيف شعر الرأس والذقن، قصير بعض الشيء. دخل الحمام، ثم غيّر ملابسه، ووقف أمام المرآة لتصفيف شعره، وأخذ ينظر إلى وجهه والتغيرات التي طرأت عليه من سنوات الغربة والوحدة، لم يترك سرحانه يطول، فهو يعلم أن في إطالته تعباً له، غادر إلى عمله بمدينة خميس مشيط في جنوب المملكة العربية السعودية في منطقة يُطلق عليها سوق البنغالة. كان الجو جميلا ومعتدلا كعادته كل يوم في تلك المدينة المرتفعة عن باقي ما حولها من مدن، فمن الأمور التي تهوّن عليه الغربة هي تلك المدينة ذات الجو الجميل، ولكن بمجرد دخوله إلى منطقة السوق حيث تجمعات الجنسية البنغالية والهندية، حادث آدم نفسه قائلا: كم أكره هذه المنطقة.

كعادته كل يوم، كان المكان مزدحماً. يشعر كل من يدخل هذه المنطقة للمرة الأولى كأنه في الهند أو بنغلاديش. في هذا الوقت من الصباح من الصعب إيجاد مكان لركن السيارة، تمتم آدم قائلا: عليّ الآن أن أبحث نصف ساعة عن مكان أركن فيه سيارتي، وبعد عناء وجد آدم مكاناً ركن فيه سيارته، ثم دخل المؤسسة التي تقع في الدور الأول بعد الأرضي في إحدى العمارات، وكانت عبارة عن معرض وإلى جانبه مكتب يفصل بينهما جدار من الزجاج. ألقى السلام على كل من في المعرض، ثم دخل مكتبه، الذي كان مهمل الأوراق كعادته، يبدو عليه عدم التنظيم. كان في المكتب الشاب الأسمر ساجد وهو بنغالي الجنسية يعمل محاسباً ولكن في مجال بيع البلاي الاستيشن، وكان هناك أيضاً زنجير الموظف في المؤسسة وأخو أحد الشركاء، كان شاباً نحيل الجسد تبدو عليه ملامح اللؤم لكل من يراه للوهلة الأولى. ابتسم زنجير ابتسامة خفيفة لآدم بمجرد دخوله، عرف آدم منها أنه يقصد الاستهزاء لأنه قد قدم مؤخراً إلى العمل، وأنه سيخبر أخاه بالأمر، ولكن آدم لم يعره اهتماماً وجلس إلى مكتبه.

ما إن شرب آدم الشاي الذي كان قد طلبه من موحد - الشاب الهندي - الذي يعمل بالمؤسسة حتى دخل أحمد وهو شاب أثيوبـي الجنسية، يعمل مندوباً للمشتريات لدى المؤسسة.

دخل، وألقى السلام على الجميع، وجلس إلى مكتبه بجوار مكتب آدم، وطلب من موحد عمل قهوة له.

لم تمر دقائق حتى دخل شاب أبيض الوجه إلى المكتب وهو خالد، شاب أردني يتولى منصب المدير التنفيذي للمؤسسة، ألقى السلام على الجميع، ثم دخل مكتبه، الذي كان محاطاً بغرفة من الزجاج.

تحدث آدم وأحمد بعض الشيء كعادتهما، وكان أحمد يومها كثير الشكوى، فقد تزوج حديثاً وهو يسكن في شقة مستأجرة مفروشة، ويمر بظروف مالية صعبة، ويعول زوجته وأمه وإخوته البنات، وما زاد عليه الأمر القوانين التي صدرت مؤخرا بشأن زيادة رسوم المرافقين عليه.

أحمد: لا أعلم من أين أستطيع الحصول على مبلغ سبعة آلاف وسبعمائة ريال لكي أسدد رسوم زوجتي وأخواتي.

آدم: لمَ لا تطلبه من أبو بندر؟ الجميع يعلم أنه طيب القلب يمكن أن يدبر لك المبلغ.

كان أبو بندر الشريك الثاني بالمؤسسة، وكان شابا سعودياً في نهاية الثلاثين من عمره يعمل قائداً في الشرطة في سلاح الأمن العام.

أحمد: لا، سأطلبه من بشير.

أما بشير فكان الشريك الأجنبـي في المؤسسة وأخو زنجير، بعد ذلك تحدث أحمد إلى ساجد عندما خرج زنجير من غرفة المكتب: لِمَ لا تقرضني مبلغ عشرة آلاف ريال من أموال المؤسسة.

ساجد: لا مشكلة لديّ، ولكن اسأل بشير وأبو بندر أولا. (تحدث بلهجة البنغالة والهنود المعروفة بالمملكة).

أحمد: ليس من الضروري أن تخبرهما، أقرضني المبلغ، وسأسدده لك على ثلاثة شهور.

ساجد: لا أستطيع أن أفعل ذلك، فبشير يحاسبني كل شهر ولا أستطيع إخفاء المبلغ.

أحمد: لو أردت القيام بذلك لاستطعت، لا تتحجج ببشير فلن يعرف شيئاً.

ساجد: لا أستطيع القيام بذلك، إن علم بشير ستحدث مشكلة كبيرة معي.

أثناء حديثهما دخل عليهما عزت، وهو شاب فلسطيني، نحيل البنية، يشغل منصب مشرف المبيعات، ألقى السلام على الجميع، وجلس إلى مكتبه، وكان قبالة مكتب آدم ثم سأل: ماذا حدث في موضوع مدحت؟

كان مدحت مندوباً يعمل لدى المؤسسة، ويعاني بعض المشاكل، فهو مديون بمبالغ مالية نظير بضاعة باعها في السوق ولم يسدد ثمنها للمؤسسة، وقد تعرض أيضاً لحادث سيارة ملك للمؤسسة وكان هو المخطئ فيها، وحمّلته المؤسسة مبلغاً كبيراً نظير كل ذلك.

آدم: لا أعرف، أتصل عليه من الصباح، ولكن جواله مغلق، فأرسلت له رسالة على الواتسآب ولكنه لم يجب بعد.

عزت: لا أعرف من أين سيأتي مدحت بكل تلك الأموال! إنني أشفق عليه.

أحمد: سنحاول مساعدته قدر الإمكان، وسأتحدث مع {أبو بندر} لكي يتحمل نصف تكاليف إصلاح السيارة.

آدم: لقد وضع مدحت نفسه في كل تلك المشاكل، فالمخدرات التي يتعاطاها جعلته لا يدرك ما يجري حوله.

أحمد: لا أعرف من أين يأتي بالمال لشراء الحشيش؟

آدم: لا أعرف. يغترب الواحد منا من أجل لقمة العيش، لا أعرف ما فائدة الحشيش، فهو يذهب بالمال والصحة، المشقة التي يتكبدها الإنسان في الغربة لا تقدر بالمال.

أحمد: عندما يدمن البعض على المخدرات لا يعود يفكر بسواها..

آدم: ولكن زوجته وولده أحق بكل مليم يصرفه.

أحمد: بالطبع معك حق.

آدم: لا أظن أن أحداً يتعاطف معه من شركاء المؤسسة.

عزت: لا أعتقد ذلك، فلقد أخبرني أبو بندر أن عليه تسديد ما يتوجب عليه.

آدم: أظنه الآن في مأزق، لا أعتقد أنه سيجد من يقرضه هذا المبلغ الكبير من المال.

عزت: الجميع هنا يبحثون عن مصالحهم، ويفضلون الاحتفاظ بالمال من أجل أهلهم بدل إقراضه لشخص آخر.

آدم: نعم، أعانه الله على ما هو فيه.

كعادته ذهب عزت إلى السوق، فكان سيسافر اليوم إلى مدينة بيشه، لمتابعة عمل المندوب هناك، وبقي آدم وأحمد وساجد في المكتب وانضم إلينا خالد من مكتبه الزجاجي.

خالد: عمَّ تتحدثون؟

أحمد: في موضوع مدحت.

خالد: نعم، أعانه الله.

نظر خالد إلى شاشة عرض الكاميرات وكانت مغلقة: لماذا الشاشة مغلقة؟

ساجد: الكاميرات معطلة منذ الأمس.

خالد: يا الله لو علم أبو بندر ستحدث مشكلة كبيرة، آدم بالله عليك اتصل بشركة صيانة الكاميرات.

آدم: سأتصل بهم بعد المغرب، لقد انتهى دوام الفترة الأولى الآن.

بدأ آدم في مزاولة عمله من مراجعة الحسابات ومراجعة حساب البنوك، وبدأ المستودع في إخراج البضاعة للمندوبين حتى أصبحت الساعة الثانية، كالعادة انتهى العمل أو بالأصح الفترة الأولى من الدوام في الساعة الثانية بعد الظهر. وخرج كل من آدم وأحمد وخالد من المكتب، وعرض آدم على أحمد وخالد تناول الغداء معا، ولكن أحمد قال إنه سيذهب لجلب الطعام فسيتغدى هو وزوجته وكذلك قال خالد.

أما آدم فذهب إلى مغسلة السيارات لغسل سيارته، ثم ذهب إلى أحد المطاعم لتناول الغداء، وبعد الغداء ذهب إلى البيت وغيّر ملابسه مسرعاً واتجه إلى الصالة الرياضية، وبعدها عاد إلى المنزل، ليستريح قبل أن يعود ثانية إلى العمل في تمام الساعة السابعة بعد صلاة المغرب.

***

في أحد الأندية الرياضية تحدث شخصان يرتديان الملابس الرياضية بينما كانا يشاهدان مباراة ملاكمة ودية بين اثنين، كان أحدهما اللواء أحمد مدير شعبة الأمن العام والآخر هو العميد فيصل مدير وحدة البحث الجنائي. تحدث اللواء أحمد الذي كان معجباً بأحد الملاكمين الذي كان طويل القامة، عريض المنكبين، مفتول العضلات، مهندم الذقن وقد بدت علامات الإعجاب على اللواء أحمد: هذا الملاكم بارع للغاية! يبدو محترفاً.

قال ذلك بينما الملاكم يسدد سيلا من اللكمات على جسد خصمه.

العميد فيصل: لا، إنه غير محترف، ستعرف من هو عما قريب سيادة اللواء، فأنت جديد هنا.

اللواء أحمد: تتحدث عنه وكأنه مشهور هنا.

العميد: نعم سيادة اللواء إنه المحقق فهد صالح، أحد أبرع محققينا هنا في الجنوب.

قال ذلك في الوقت الذي سدد فيه فهد لكمة بيمينه على وجه خصمه أفقدته توازنه، ثم تراجع، وبدا أنه يريد إعطاء فرصة لخصمه لاستجماع قواه.

اللواء أحمد: لقد سمعت عنه، سمعته تسبقه في كل مكان، يبدو أنه بارع في الملاكمة أيضا.ً

العميد الفيصل: نعم هو كذلك، فالذي يلاكمه هو النقيب عبد الوهاب من قوات أمن الطوارئ، ولكن كما ترى لا يستطيع مجاراته.

عندما أنهى العميد فيصل جملته تلك، سدد فهد لكمة بيسراه إلى ذقن خصمه أسقطته أرضاً وأفقدته الوعي، فخلع المحقق فهد قفازه ليطمئن على خصمه الذي استفاق بعد ثوانٍ معدودة.

العميد فيصل: أرأيت ذلك سيادة اللواء، إنه بارع في فك ألغاز القضايا المعقدة وبارع أيضاً في القتال بالأيدي.

اللواء أحمد: معك حق سيادة العميد.

العميد: لِمَ لا تأتي لأعرّفك إليه.

اللواء أحمد: هيا بنا.

توجها نحو المحقق فهد الجالس بجوار الحلبة يخلع قفازيه ويشرب الماء.

العميد فيصل: المحقق فهد كيف حالك؟

المحقق: سيادة العميد فيصل إنها لفرصة عظيمة مقابلتك. لم أرك منذ مدة؟ أنا بخير كيف حالك أنت؟

العميد فيصل: لقد كنت في إجازة وعدت للتو، حمداً لله أنا في أفضل حال. سيادة المحقق أقدم لك اللواء أحمد، لقد تولى شعبة الأمن العام هنا.

المحقق: مرحبا بك سيادة اللواء، إنه لشرف عظيم أن ألقاك.

اللواء أحمد: الشرف لي سيادة المحقق.

المحقق: أتمنى أن تكون مدينة أبها قد أعجبتك.

اللواء أحمد: بالطبع، فمدينة أبها وخميس مشيط مشهورتان بطقسهما.

المحقق: نعم، بالتأكيد سيادة اللواء.

العميد محمد: يبدو أنك انتهيت من ممارسة الرياضة ونحن أيضا، ما رأيك في شرب القهوة معا؟

المحقق فهد: أعذرني سيادة العميد فأنا مرتبط بميعاد الآن اجعلها في الغد.

اللواء أحمد: حسنا، ولكن سأسعد بأن تشرفني في مكتبـي سيادة المحقق.

المحقق: إنه لشرف لي سيادة اللواء. حسنا، في الغد إن شاء الله.

back to top