هجوم روسيا الأخير على الأوكرانيين تحذير للغرب

نشر في 30-11-2018
آخر تحديث 30-11-2018 | 00:00
 واشنطن بوست غادرت ثلاثة مراكب بحرية أوكرانية مرفأ أوديسا الأوكراني وتوجهت إلى مرفأ ماريوبول الأوكراني، وخلال رحلتها اضطرت إلى عبور مضيق كيرتش، وهو ممر مائي يقع بين شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا والبر الرئيس الروسي. امتلكت تلك المراكب كامل الحق بالتنقل في تلك المياه، على غرار مجموعة سفن مماثلة عبرت هذا المضيق قبل نحو شهر، بما أن معاهدة عام 2003 تضمن حقوق كلتا الدولتين باستعمال هذه المياه، ولكن هذه المرة، في عملية استفزاز مدروسة بدقة، أطلقت السفن الروسية النار على السفن الأوكرانية ثم احتجزتها مع أفراد طواقمها الثلاثة والعشرين.

لا تُعتبر هذه الأحداث من ناحية ما مفاجئة. صحيح أن كثيرين فضّلوا النسيان، إلا أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما زالت مندلعة، ولطالما كان مَن يخوضون القتال مستعدين لتصعيد روسيا هذا الصراع، لكن المفاجأة الوحيدة كانت التوقيت: لمَ الآن؟

قد لا نرى أي سبب محدد. شهدنا أخيراً عدداً من الصدامات في المياه المحيطة بالقرم منذ أن بنت روسيا جسراً إلى شبه الجزيرة، وقد يكون هذا العمل وسيلة روسيا لتذكيرنا دورياً أنها لن تنهي احتلالها غير المشروع، كذلك يلائم هجومها على البحرية الأوكرانية مشروعها الإقليمي الأكبر: الضغط الطويل الأمد على مرفأ ماريوبول فضلاً عن جزء كبير من الساحل الأوكراني يمكن قطعه عن سائر أنحاء البحر الأسود بإقفال مضيف كيرتش.

لكن روسيا تمر أيضاً بمرحلة مثيرة للاهتمام في سياستها المحلية. تأتي هذه المغامرة العسكرية الصغيرة في أعقاب تظاهرات واسعة ضد التغييرات في قانون التقاعد الروسي ترافقت مع استياء شعبي كبير من جراء التباطؤ الاقتصادي. مع انتشار أخبار ما وُصف بالتأكيد بالاستفزاز الأوكراني في روسيا، أشار الناشط المعارض الأبرز في هذا البلد ألكسي نافالني في الحال إلى أن استطلاعات الرأي عكست تراجعاً في شعبية بوتين، وكتب ساخراً أن علينا توقع سماع المزيد على شاشات التلفزيون عن "جيش كييف العدائي المدعوم من الصقور في واشنطن".

علاوة على ذلك، قد يكون التوقيت مرتبطاً بالسياسات الدولية. بدأت اليوم بريطانيا، التي كانت إحدى الدول الأكثر تشدداً بشأن العقوبات المفروضة على روسيا، تستدير إلى الداخل استعداداً لمعركة ضخمة بسبب انسحابها من الاتحاد الأوروبي، لذلك تبدو لندن أكثر انشغالاً من أن تقلق حيال أوكرانيا. في المقابل، تبدو إدارة ترامب، منقسمة، ومتلهية، ومنهمكة بالاستعداد لمواجهة الديمقراطيين في أكثرية مجلس النواب المقبلة، الذين سيحرصون من بين مسائل عدة على التحقيق في روابط هذه الإدارة السابقة مع روسيا. أصدر الاتحاد الأوروبي، وكندا، وحتى بولندا بيانات رسمية تدين أعمال روسيا قبل وقت طويل من سماع أي تصريح من الولايات المتحدة، فحتى مساء يوم الاثنين بتوقيت كييف، ما كنا شهدنا أي رد فعل من وزارة الخارجية الأميركية بشأن هذه الأحداث في مضيق كيرتش. كذلك جاءت إدانة سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نيكي هيلي "لأعمال روسيا الخارجة عن القانون" بعد ساعات عدة من التصريحات الأخرى.

مهما كانت الدوافع الأخرى وراء هذا الهجوم المنظَّم، فلا شك أن هذه السلبية هي ما تعوّل عليه روسيا. كان هذا أسلوب العمل الذي اتبعته سابقاً: لنتخذ بضع خطوات إلى الأمام وننتظر رد الفعل، وإذا لم نشهد أي رد فعل، نمضي قدماً، وإذا ظل رد الفعل غائباً، ننتظر إلى أن تخبوا المشاعر ونواصل التقدم بعد ذلك. قد تنتهي هذه الحادثة عند هذا الحد أو قد تؤدي إلى تصعيد إضافي، ولكن من الضروري اعتبارها تحذيراً: إذا لم نعتمد استراتيجية أشمل لإنهاء هذه الحرب، فسيكون هذا النمط الذي سنواجهه خلال السنوات المقبلة.

* آن أبلبوم

*«واشنطن بوست»

back to top