أوروبا تواجه الواقع المر... الإصلاح وإلا

نشر في 26-11-2018
آخر تحديث 26-11-2018 | 00:00
 سترايتس تايمز إذا لقّنت انتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة الأوروبيين درساً، فهو: لم يكن نهوض ترامب وأعوانه مصادفةً، إذ بات جلياً اليوم أن قاعدة ترامب كبيرة جداً، مما يرجح احتمال انتخابه لولاية ثانية بعد سنتين، لذلك على أوروبا أن تستعد لأمرين على الأقل: ست سنوات إضافية من حكم ترامب وتراجع دائم في العلاقات عبر الأطلسي، فضلاً عن دور جديد للأوروبيين في العالم.

إذاً، صار واضحاً أن الانتظار ريثما تنقضي هذه المشكلة ما عاد حلاً، فبعد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شهر يوليو مثلاً، انتشرت خطط الطوارئ، ومن مواقف الانسحاب الحرص على عدم إقامة أي قمم أخرى طالما أن ترامب في السلطة، وفي موقف آخر قررنا نقل كل المسائل إلى المستوى العملاني بين الأمم الأعضاء وترك ممثلي ترامب الرفيعي الشأن خارج الصورة قدر المستطاع، فأجندة ترامب تختلف كل الاختلاف عن أجندة فرنسا، أو ألمانيا، أو بريطانيا، لذلك ينبغي لأوروبا أن ترسم مصيرها بنفسها.

لا يُعتبر هذا خبراً سيئاً بالضرورة، صحيح أن أوروبا تتباطأ كثيراً في التكيّف مع الظروف الجديدة، إلا أنها ما عادت تستطيع اليوم الاختباء وراء الولايات المتحدة أو غض النظر عن التغيير الحاصل في الساحة السياسية العالمية.

وخلال إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى، أوضح إيمانويل ماكرون ما يعني ذلك، فأعلن صراحة أن: " الوطنية تشكّل النقيض التام للقومية: القومية خيانة للوطنية". وأضاف: "عندما نقول: مصالحنا أولاً بغض النظر عما يحدث للآخرين، نلغي كل الأمور القيمة الأخلاقية التي تملكها الأمة". إذا أخذنا كلمات ماكرون (الموجهة بوضوح إلى ترامب) على محمل الجد، فعلى أوروبا أن تقدِم على تغيير كبير في مسارها، فيحمل حفاظها على قيمها الأخلاقية معاني كثيرة، ومع اقترابنا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبروز الشعبويين في إيطاليا، وبولندا، وهنغاريا، ودول أخرى، تتطلب هذه المهمة جهوداً جبارة من قائدين أوروبيين هما ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. بالنسبة إلى ميركل المترددة دوماً قد تشكّل هذه فرصة لدخول التاريخ بصفتها منقذة أوروبا، وبعدما تخلصت من أعباء إعادة انتخابها وتحررت من مهمة قيادة حزبها الحاكم في ألمانيا، تستطيع أن تركّز اليوم أكثر من أي وقت مضى على مشاكل أوروبا، ومن المسائل الأكثر إلحاحاً إصلاح نظام التصويت داخل الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض التوصل إلى إجماع كامل بين الدول الأعضاء الثماني والعشرين عند اتخاذ قرارات أساسية، لكن هذا التنظيم، الذي يعود إلى زمن كان فيه الاتحاد الأوروبي أصغر بكثير، يمنح قوة النقض لأي عضو، سواء كان مالطا البالغة الصغر أو الدول الثقيلة الوزن مثل فرنسا أو ألمانيا. صحيح أن هذه القاعدة وُضعت لحماية مصالح الدول الأعضاء الصغيرة، إلا أنها تعوق اليوم الجهود للمضي قدماً في مجالات بالغة الأهمية ومثيرة للجدل، فيجب أن تدرك ميركل وماكرون أن فرصة تحقيق تغييرات كبيرة ستختفي عاجلاً لا آجلاً.

صحيح أن عهد هذه الزعيمة الألمانية سيدوم، كما يُفترض، حتى عام 2021، إلا أنه لا أحد في برلين مستعد للمراهنة على مستقبل ائتلافها الحاكم الهش الذي يجمع بين المحافظين والديمقراطيين الاجتماعيين، وفي المقابل لا يحكم ماكرون وحركته "الجمهورية إلى الأمام" من خلال ائتلاف، لكن شعبية هذا القائد الفرنسي، التي كانت عالية جداً سابقاً، باتت سريعة التقلب أخيراً.

ولا شك أن دفع الاتحاد الأوروبي إلى مواكبة هذه التغييرات يحتاج إلى رأسمال سياسي كبير، ولا يبدو جلياً ما إذا كان هذان القائدان يملكان الرأسمال الكافي

* ماركوس زينر

*«سترايتس تايمز»

back to top