تنوير: توبنغن: جامعة القلعة

نشر في 22-11-2018
آخر تحديث 22-11-2018 | 00:01
 د. أيمن بكر كأي مؤتمر دولي أذهب إليه، جهزت نفسي لمناقشات تصل حد العصف الذهني، ولم أكن منتظراً أن يبهرني شيء في مدينة توبنغن على مستوى المعمار أو الطبيعة الخلابة، فقد أخذت الصدمة من سنوات بعد زيارة كثير من حواضر العالم. لكن ثمة دوماً خبرة جديدة ودهشة في الأفق طالما احتفظ الإنسان بقابليته للتعلم.

توبنغن مدينة شيدت منذ قرون حول الجامعة، فهي واحدة من خمس مدن ألمانية تعرف بـ {مدينة الجامعة}. أشهر هذه المدن هي هايدلبرغ. لن أتكلم عن الطبيعة الساحرة في توبنغن ومحيطها من القرى التي نبتت في قلب الغابات والأنهار الصغيرة التي تجوب حرة مطمئنة لا تخشى أن يلوثها شيء. ولن أتكلم عن المكتبات التي تملأ شوارع المدينة ومنها مكتبات لكتب قديمة يمكن أن تعثر فيها على كنوز لا تقدر بثمن، وهو ما أظنني قد وقعت على بعض منه. وإنما سأتكلم عن مقار الجامعة التي تتوزع في أنحاء المدينة وفي أشهر معالمها.

حيثما تحركت ستجد مقراً للجامعة، فهي نواة المدينة كما ذكرنا، لكن المدهش هو المقر الذي أقيم فيه المؤتمر، إنه قلعة المدينة الواقعة في أعلى نقطة منها. إحساس مختلف وغريب اعتاده من يدرس أو يحاضر في جامعة توبنغن، أن تسند يدك على جدران قلعة من مئات السنين سالت عليها دماء أسلافك، لكن مدعاة الفخر هنا هو تحويل المكان إلى منبر للمعرفة، ما يكشف عن قدرة الثقافة الألمانية على الإمساك بعناصر القوة الحقيقية في العالم الذي نعيش فيه: العلم.

تصنف جامعة توبنغن ضمن أول 130 جامعة في العالم، وأقرب تصنيفاتها في مجال العلوم الإنسانية والآداب. وجامعة توبنغن الذي يبلغ عمرها نحو ستمائة عام، قد تخرج فيها عشرة من الحاصلين على نوبل في الكيمياء والطب على وجه الخصوص.

ستجد في القلعة الجامعة الطوابي والخنادق وغرف القادة وقد تحولت كلها إلى متاحف ومكتبات وقاعات درس. في مدخل القلعة متحف الجامعة الذي يضم واحداً من أهم مراكز البحث الأثري في العالم، في هذا المتحف يستعرضون كيف اكتشف الألمان أقدم كهف يحوي رسوماً فنية في التاريخ على أراضيهم، والذي يبلغ عمره أربعين ألف سنة، كما يوجد فيه ركن مهم يضم بعض آثار مصر، وركن آخر لكيفية صناعة نماذج من الفن الإغريقي لتمرين طلاب الفن.

ليس هذا فقط هو المقر التاريخي الذي تحظى به الجامعة، ففي قلب المدينة يوجد عدد من المباني الأثرية التي تحولت أيضاً إلى مقار للجامعة.

في ألمانيا الحديثة تحولت المعرفة إلى قلعة ضخمة شامخة في عقول الألمان، ولذلك لم يكن من الغريب أن تتحول القلعة ذات الأحجار الضخمة إلى جامعة تعلن القوة الحقيقية في عصرنا.

back to top