صفقة تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تثير استياء الجميع

نشر في 18-11-2018
آخر تحديث 18-11-2018 | 00:00
 واشنطن بوست بعد أشهر طويلة وملايين التسريبات، نُشر أخيراً اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المؤلف من 585 صفحة، الاتفاق متوافر للجميع ويمكن تنزيله عن الإنترنت، وهكذا أنهت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي.

بعبارات مختلفة، بعد أشهر طويلة وملايين التسريبات، انتقت ماي أخيراً خياراً من بين كل البدائل السيئة المعروضة. خاضت مفاوضات بشأن اتفاق يكرهه الجميع لا محالة وسيجعلها هي بدورها غير محبوبة، فقد بدأ أعضاء حزبها الخاص بالمطالبة بالتصويت لسحب الثقة من حكومتها، واستقال أربعة من وزارئها، وقد يحذو آخرون حذوهم قريباً. كذلك قد لا يمر هذا الاتفاق في مجلس العموم، فمن الصعب في المرحلة الراهنة أن نرى كيف سيحصل على تأييد الغالبية.

رغم ذلك، بعد أشهر طويلة وملايين التسريبات، اتضح أخيراً ألا أحد بإمكانه التفاوض بشأن اتفاق أفضل، فلا تتوافر أي صفقات أفضل.

كان باستطاعتها أن تسحب المملكة المتحدة بالكامل من السوق المشتركة والاتحاد الجمركي الأوروبيين، لكن هذه الخطوة كانت ستفرض عليها بناء حدود جمركية مع أيرلندا أو إنشاء حدود جمركية بحكم الواقع في البحر الأيرلندي. لكن أيرلندا، بدعم من سائر دول الاتحاد الأوروبي، رفضت القبول بالاحتمال الأول، في حين عارض الكثير من سكان أيرلندا الشمالية، بمن فيهم شركاء ماي في الائتلاف الحاكم، والحزب الديمقراطي الوحدوي، الاحتمال الثاني.

نتيجة لذلك، اختارت ماي أن تبقى ضمن الاتحاد الجمركي، كتدبير مؤقت على الأقل، لحين التفاوض بشأن حل آخر، ولكن في المقطع الأكثر غرابة في الاتفاق، تركت بريطانيا هذا الاتفاق المؤقت مفتوحاً، فوافقت ماي على أن "من الممكن تمديد وضع المملكة المتحدة كعضو غير مصوت في الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة الانتقالية" إلى ما بعد التاريخ المقرر إلى... "31 ديسمبر 20xx". بكلمات أخرى، بإمكان المملكة المتحدة أن تظل داخل مساحة أوروبا التجارية إلى أجل غير مسمى.

يرى الجميع في هذه الصفقة ما قد يكرهونه، إذ يشعر مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذين ولّدوا هذه المعضلة في المقام الأول، بالغضب لأن الصفقة تعني أن بريطانيا ستظل دوماً مضطرة إلى التقيّد بقواعد السوق الأوروبية المشتركة، مع أنها ستعجز عن المشاركة في صوغها، وقد يصعّب هذا على المملكة المتحدة عقد صفقات تجارية مع أطراف أخرى. وهكذا تصبح المرونة التجارية، التي شكّلت حسبما يُفترض إحدى المزايا الكبرى للخروج من الاتحاد الأوروبي، حلماً بعيد المنال.

في المقابل يشعر معارضو عملية الخروج هذه بالاستياء لأن الصفقة تجعل بريطانيا أكثر ضعفاً وأقل نفوذاً من ذي قبل، كذلك تكرهها أيرلندا الشمالية لأنها تشير إلى أن هذه المنطقة قد تحصل على اتفاق تجارة منفصل عن سائر بريطانيا، ويمقتها الإسكتلنديون لأنهم يريدون ضماناً على غرار ما حصلت عليه أيرلندا الشمالية، وهكذا دواليك. ولكن دعوني أكرر: لا تتوافر أي صفقة أفضل، وما من حل فاعل آخر، فلا أحد يقدّم صفقة أفضل. لم يملك أي من أعضاء الحكومة الذين استقالوا أي اقتراحات أفضل، وما من "صفقة مثالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" للتوصل إليها لأنه لا أحد يملك الإرادة لتحقيقها. يبقى البديل الوحيد عدم عقد أي صفقة (الانسحاب بكل بساطة من كل اتفاقات المملكة المتحدة التجارية مع كل الفوضى التي تترتب على خطوة مماثلة) أو عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي. بكلمات أخرى، انهار أخيراً وهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن لطالما كان هذا الشكل الذي ستتخذه، بعد المفاوضات، صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. نعم، يبدو بشعاً بكل معنى الكلمة.

* آن أبلبوم

* "واشنطن بوست"

back to top