أزمة السياسة الخارجية بعد الانتخابات النصفية الأميركية

نشر في 17-11-2018
آخر تحديث 17-11-2018 | 00:01
دونالد ترامب
دونالد ترامب
بعد يوم من انتهاء الانتخابات النصفية الأميركية استعد رجال السياسة والمحللون في أوروبا لخطوات عرقلة من جانب ترامب، قد تكون أسوأ مما أقدم عليه حتى الآن، ولمخاوفهم ما يبررها بسبب نتائج الانتخابات النصفية وطريقة ترامب في العمل.
يشتهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ببراعته في صرف الانتباه عن القضايا الجدلية وتجاوز الأزمات المصطنعة من خلال بيانات تنم عن الاستهجان.

وبعد يوم من انتهاء الانتخابات النصفية الأميركية استعد رجال السياسة والمحللون في أوروبا لخطوات عرقلة من جانب ترامب قد تكون أسوأ مما أقدم عليه حتى الآن، ولمخاوفهم ما يبررها بسبب نتائج الانتخابات النصفية وطريقة ترامب في العمل.

وبعض سمات رئاسة ترامب التي غدت مألوفة الآن تعتبر ذات صلة، وخصوصا ما يتعلق منها بالعلاقات الخارجية، وهو يولي أهمية قصوى لتأييد قاعدته السياسية التي تعني أنه يهتم بقدر طفيف فقط بالمصلحة الوطنية مادام التأييد لم يتأثر، كما أن الأزمات تشكل قيمة بالنسبة إليه وأسلوبه الإجمالي إزاء العلاقات الخارجية كان يقضي بتدمير الأشياء وخصوصا الدستورية أو المتعددة الأطراف، وحتى مع الوصول الى شيء إيجابي وبناء مثل اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا الشمالية فإن ذلك يأتي بعد عاصفة وجهد من جانب أزمة ترامب المصطنعة.

وتؤدي نتائج تلك الانتخابات دوراً في توجهات حربين أساسيتين، وعلى الرغم من أنه من غير المؤكد أن الرئيس ترامب كان سيتوجه نحو أي مسار تصحيحي حتى إن أفرزت الانتخابات النصفية حصيلة ملائمة لم تكن هناك مثل تلك النتيجة. ويرى ترامب في الزيادة التي حققها الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ وهي النتيجة التي كرس لها ترامب معظم حملاته سبباً من أجل الاستمرار في سياسته، وهكذا تمثلت واحدة من عواقب الانتخابات النصفية في تعزيز الميول المألوفة للرئيس ترامب.

تقدم الحزب الديمقراطي

وتمثلت طائفة من النتائج أيضاً في سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب، وتنطوي المضاعفات المحددة في هذا الصدد على جانبين: الأول هو عدم وجود إمكانية لما يعرف باسم الإنجاز التشريعي للحزب الجمهوري، وبالتالي فإن العمل المثير لللاهتمام- من وجهة نظر البيت الأبيض– سيتمثل في سياسة داخلية أقل من السياسة الخارجية التي يتمكن من خلالها الرؤساء من القيام بمزيد من الأعمال من دون الاهتمام بمواقف الكونغرس.

وسيتمثل الجانب الآخر المتعلق بتغير السيطرة على مجلس النواب في الزيادة المحتملة للتحقيقات وجلسات الاستماع التي تستقطب الاهتمام حول الكثير من الفضائح في الإدارة الأميركية والتي تغاضى عنها أنصار الرئيس في الكونغرس خلال العامين الماضيين، وهكذا سيكون أمام الرئيس ترامب الكثير الذي يتعين عليه صرف الأنظار عنه، وينسحب ذلك بشكل خاص على التحقيق المتعلق بدور روسيا في الانتخابات الرئاسية والذي كان يتولاه المحقق روبرت مولر، وكانت هناك أسباب لأن نتوقع قيام مولر بتسريع تحقيقاته في فترة ما بعد الانتخابات من أجل التوصل الى نتيجة واضحة. وتوفر سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب أيضاً بعض الحماية من خطوات البيت الأبيض أو الحزب الجمهوري لإخفاء نتائج تحقيقات مولر.

وقد أصبح المسرح مهيـأ الآن لنوع من الخطوات الجاذبة للانتباه، إما عن طريق مواجهة يطلقها البيت الأبيض أو أزمة خارجية، وعلى الرغم من أن العالم بأسره يمكن أن يكون مسرحاً لإنتاج مثل تلك الدراما فإن المواجهة مع إيران هي المكان الأكثر احتمالاً لذلك، وكانت حملة إدارة ترامب الغنية بالعداء لإيران والتوتر معها قد خلقت المناخ اللازم لهذا الهدف.

وعلى الرغم من أن إدارة ترامب ربما تريد في نهاية المطاف التوصل الى اتفاق مع طهران– كما يقول الرئيس الأميركي– ناهيك عن النتيجة فإن ذلك سيكون أفضل مما توصلت اليه الإدارات الأميركية السابقة بحسب بربارة سلافين. ويرجع ذلك بشكل جزئي الى عدم وجود رئيس إيراني يستطيع أن يقول «نعم» لمقترحات أميركية وأن يستمر في الحكم.

والحصيلة الأكثر احتمالاً لمسار الادارة الأميركية هي اندلاع الحرب التي ستشكل عامل صرف الانتباه الأقوى على الصعيد السياسي، وفي وسع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الذي كان يتمنى منذ زمن بعيد خوض حرب ضد إيران أن يجعل الأوضاع تمضي في هذا المسار حتى من دون مشاركة الرئيس ترامب.

المواجهة مع الصين

تعتبر المواجهة العسكرية مع الصين أقل احتمالاً لكنها تظل ممكنة على أي حال، وتجدر الإشارة الى أن السياق الجيوسياسي للمنافسة بين الصين والولايات المتحدة تجعل من حرب محدودة بين البلدين في مكان مثل بحر الصين الجنوبي ممكنة من دون التعرض الى خطر أكبر في التصعيد الى حرب نووية.

ومن المؤكد أن الحرب التجارية ستكون جزءاً من أي تصعيد في أزمة العلاقات الخارجية التي تواجه الرئيس ترامب، وقد شن طبعاً الكثير من تلك الحرب كما أن الصين تعتبر هدفاً رئيساً لحرب ترامب التجارية، وحملة ترامب ضد إيران تشمل حرباً اقتصادية ليس ضد طهران فقط بل ضد الحلفاء الأوروبيين والكثير من دول العالم أيضاً.

إن خسارة مجلس النواب الأميركي لمصلحة الحزب الديمقراطي تسهم في كيفية استخدام ترامب للحرب الاقتصادية، وهي ستوفر له الجهة التي يستطيع توجيه اللوم اليها بسبب تأثر الوضع الاقتصادي للأميركيين وهو عامل يعطيه المبرر من أجل عدم تصعيد الحرب الاقتصادية، وستركز حملة ترامب في انتخابات سنة 2020 على أن سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب قد تسببت في حدوث الركود الذي أصبح محتملاً الآن نتيجة التوسع الاقتصادي المستمر منذ عقد من الزمن، والتأثيرات السلبية لتفاقم العجز المالي، وارتفاع معدلات الفائدة، والخفض الناجم عن القلة في الطلب والتجارة الخارجية.

والتكهنات التي أشارت قبل الانتخابات النصفية قالت إن الرئيس ترامب لم يكن مستعداً لخسارة مجلس النواب فقط – كما أشارت تعليقاته بوضوح – بل إنه رحب بتلك الخسارة لأنها توفر له جهة ينسب اليها هذه الحصيلة، لكن هذه ليست الطريقة التي يمكن لمؤيد للحزب الجمهوري أن ينظر الى الأمور من خلالها طبعاً، ولكن هذا مؤشر آخر على أنه في عالم الرئيس ترامب– وبحسب نظرته– فإن الأمر كله يتمحور حوله وحول التأييد الذي يتوقعه في حملته المقبلة.

back to top