وجهة نظر : إصلاح اقتصادي على وقع الأمطار في الكويت

نشر في 16-11-2018
آخر تحديث 16-11-2018 | 00:30
 د. عباس المجرن لا يمكن اعتبار ما تشهده الكويت هذه الأيام من أمطار غزيرة نسخة مكررة من أمطار ما عُرف بسنة الهدامة عام 1934، أو أمطار 1954 أو غيرها من المواسم الممطرة، إذ تشير البيانات المعلنة من جهات الاختصاص بشأن كثافة هطول الأمطار الحالية بالمقارنة مع ما سبقها من أمطار إلى معدل كثافة قياسي.

وتربط مراكز رصد التغير في المناخ العالمي التي تعتمد في بياناتها على ما تسجله نحو 11 ألف محطة من محطات قياس الطقس المنتشرة في أرجاء المعمورة، كما يربط المختصون بالظواهر المناخية غزارة الأمطار وشدة السيول التي شهدتها بعض مناطق الكويت والسعودية والأردن في هذا الموسم بظاهرة التغير في المناخ العالمي الذي يسببه الاحتباس الحراري.

أمطار الكويت وحرائق كاليفورنيا

إن سلسلة الظواهر الجوية المتطرفة التي شهدها العالم في آخر عقدين من الزمن، وخصوصا منها ما هو غير مسبوق في تطرفه، وفقا للسجل التاريخي المتاح عن حالة المناخ في مناطق وأرجاء مختلفة من الكوكب، ترتبط بظاهرة التغير المناخي العالمي.

وبناء على هذه المعطيات، لا يمكن فصل ظاهرة الأمطار الحالية في الكويت عن ظواهر تزايد شدة وتكرار الأعاصير في سواحل المحيط الأطلسي ومنطقة الكاريبي ومناطق أخرى من أوروبا إلى شرق آسيا وجنوبها.

ولا تنفصل أمطار الكويت الراهنة عن زيادة غزارة الأمطار والسيول والفيضانات في أرجاء شتى من العالم. كما أنها لا تنفصل عما يعانيه العالم من ظواهر جفاف مقلقة في أرجاء أخرى من المعمورة، والتي تسببت في تصحر الغابات، بل واشتعالها.

وها هو مشهد الحرائق المروعة في الغابات يتكرر كل عام، ولن يكون حريق غابات كاليفورنيا المستعر الآن آخر هذه الحرائق. لقد خلّف هذا الحريق حتى هذه اللحظة العشرات من الضحايا، وأتى على أكثر من 30 ألف هكتار من الأرض الزراعية، ودمر مئات من المباني.

النفط وراء غزارة الأمطار

فاتورة الخسائر والأضرار الفادحة التي تخلّفها هذه الظواهر المتفاقمة تتعاظم بمعدل خاطف ومريع. ويرجع المختصون، كما أسلفت، كل هذه الظواهر الى الاحتباس الحراري الذي ينتج عن تزايد انبعاث الغازات الدفيئة، وفي مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي الى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض والجزء الأسفل من الغلاف الجوي المحيط به.

وتوجه أصابع الاتهام دوما الى النفط، باعتباره المصدر الرئيسي للجزء الأكبر من هذه الانبعاثات، إذ يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون، المنبعث من الوقود الأحفوري، نحو 65 في المئة من مجمل الانبعاثات.

وتؤكد لجنة تغيّر المناخ العالمي أن درجة حرارة كوكب الأرض قد ارتفعت بنحو نصف درجة مئوية منذ نهاية عقد السبعينيات الماضي، وأن وتيرة الارتفاع في هذه الدرجة ستتسارع بسبب عدم كفاية الجهود الدولية المبذولة للحد من هذه الانبعاثات، وخصوصا غاز ثاني أكسيد الكربون. وهذا يعني أنه لا مناص من تزايد الضغوط المستقبلية على استهلاك المشتقات النفطية.

ويفرض هذا على الكويت المعتمدة اعتمادا كليا على النفط أن تسعى بما يكفي من الجدية الى تنويع قاعدة نشاطها الاقتصادي. فبقدر ما يفرض التصدي للأضرار الجسيمة التي تترتب على ظاهرة الأمطار الغزيرة في الكويت من تحديات للسلطات المختصة بالبنى التحتية في الدولة من شبكات طرق وصرف صحي وخدمات بلدية الى شبكات توليد للطاقة الكهربائية، تفرض هذه الظاهرة مزيدا من التحديات للسلطات الاقتصادية من خلال دورها في تفاقم الهاجس المتصل بمدى قدرة الاقتصاد الكويتي على الاستدامة.

ولعل غزارة الأمطار الحالية تدق جرس إنذار في أذن السلطات الاقتصادية، يعيد الزخم الى سياسة الإصلاح الاقتصادي التي استرخت وفَتّ من عضدها التحسّن النسبي المؤقت الذي شهدته أسعار النفط منذ بداية العام الحالي... وربّ ضارة نافعة.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top