حرب الوعي

نشر في 13-11-2018
آخر تحديث 13-11-2018 | 00:05
 ناصر الظفيري كان ذلك في وقت بريء ونقي، وكان حلمي الأكبر أن أزور معرض الكتاب العربي بالكويت لأول مرة في حياتي. الطريق من الجهراء إلى المعرض حينها صعب المواصلات على شاب في مثل سني حينها، والأصعب أن تجد رفيقا له ذات الهوس في القراءة. ما جمعته من نقود خلال تلك السنة يكفي لبعض الكتب، عليَّ أن أقتصد في ثمن الرحلة. استوقفت سيارة عابرة أقلَّتني حتى منتصف الطريق دون مقابل، ما جعلني أطمع في النصف الآخر من الطريق. صاحب سيارة النقل الذي أقلَّني طلب مبلغا زهيدا على أن يوصلني أمام باب المعرض.

لا أستطيع الآن أن أسترجع الفرحة التي نمت بداخلي. كنت كمن حقق فتحا كبيرا. أنا الآن أمام هذا الكمّ الهائل من المعرفة. توقفت أمام دُور عربية كثيرة، وكان الحلم أن أقرأ لميخائيل نعيمة، الذي بدأت معه قصيدة مغايرة بعنوان "النهر المتجمد". كان صوت ميخائيل مختلفا ومغايرا للقصائد التي عرفتها في المناهج الدراسية. كان الجميع يشير إلى دار نشر تهتم بنشر كتب أدب المهجر، لتبدأ رحلتي مع هذه الكوكبة التي نفتقدها في مهجرنا اليوم. بدأت مواظبتي على حضور معرض الكتاب العربي منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، لا يمنعني عن الحضور إلا سبب لا حيلة معه. لم يكن معرض الكتاب سوقا للكتب، بل حالة أدبية خاصة.

في تلك الأيام لم تكن لنا فعاليات محلية، وليس لنا دُور نشر خاصة، ولا كتاب رواية، أو أدب، كما هو الحال الآن. لم نكن نعرف كثيرا عن الرقابة، وما هو الممنوع والمسموح، أو لماذا تُمنع الكتب وتُحجب عن قرائها. وفي الوقت الذي بدأ الشباب يمتلكون المبادرة ويعملون على النشر الأدبي والاهتمام بالكتاب، وفي الوقت الذي بدأ الجمهور يهتم بالكتاب العالمي والعربي والمحلي، بدأت توضع العراقيل أمام الكتاب، وكأن العملية هي انتقام غير مباشر من وعي هؤلاء الشباب.

ما كان يقرأه جيلنا في تلك الأيام هو ما يمنع عنه هذا الجيل، الفرق أن هذا الجيل أكثر نشاطا واهتماما بالكتاب والنشر من جيلنا. وما كان مدعاة لفرحنا وبهجتنا بهذا الوعي وانتشار الكتاب والمكتبات ونوادي القراءة، يواجه اليوم بالتهميش والتضييق ومحاولة تشبه حالة متعمدة ضد كل نشاط فكري أو أدبي جعل هذا الجيل يلجأ للمحاكم لرفع هذا الحيف عنه.

حين تمنع الكويت، البلد الرائد في حرية الفكر والتعبير والملجأ الأدبي للكُتاب والشعراء العرب متى ضاقت عليهم بلادهم، هذا الكم من الأدب العالمي والعربي والمحلي لابد أن نضع علامة استفهام كبيرة وعلامة اتهام أكبر لمن يحارب هذا الكتاب.

كان معرض الكتاب هو قبلة مثقفي الخليج، وأصبح الخليج اليوم هو قبلة شباب الكويت للحصول على الكتاب. لقد رفعت المعارض الخليجية سقف الحُرية في النشر والتوزيع، في حين أصبحنا نسمح بالكتاب الذي تسمح به الدول الخليجية. هذه التبعية تثير السخرية، ولا تليق بالكويت ولا سُمعتها الثقافية وتاريخها.

على صاحب القرار أن يستعيد حركة الثقافة والتنوير في الكويت مرة أخرى، ليعرف أين كنا نقف، وأين نحن الآن.

back to top