سدانيات: ربوا عيالكم!

نشر في 10-11-2018
آخر تحديث 10-11-2018 | 00:05
 محمد السداني في حوار جميل مع ابنة أختي الطبيبة المجتهدة، سألتني: ما أهم تخصص علمي تعتقد أنه مهم بالنسبة إلى المجتمع؟ فأجبت بكل قناعة تخصص «علم الاجتماع»، فأنا مؤمن أنَّ المجتمعات لا تنمو ولا تتطور إلا عبر النظريات الاجتماعية التي تؤصل السلوكيات الحسنة وتضع الأنظمة الإدارية التي من شأنها أن ترسم صورة حقيقية لمجتمع مستدام قائم على أسس علمية صحيحة، وتكون فيه عناصر المجتمع متعايشة متآلفة مع بعضها، يحترم كلٌّ منها الآخر ويعرف جميع الأفراد الواجبات والحقوق المنوطة بهم جميعا.

ولكن في المجتمعات الرأسمالية التي نعيش فيها– إذا صح أن نسميها بهذا الاسم- تجد أنَّ التخصصات الخدمية هي التي تتصدر مشهد الأهمية، مبعدة الاجتماع وأهله إلى طبقة منعزلة نخبوية منبوذة ليس لها علاقة بالمجتمع الذي تعيش فيه؛ مما أنتج حالة اعتباطية من السلوكيات التي نراها يوميا في كل مكان، فتداخل مفاهيم بناء السلوك كالدين والعادات والتقاليد والموروث الاجتماعي أدى إلى اعتباطية خطيرة في سلوك الأفراد، فتجدهم في بعض الأوقات متدينين جدا، لكنهم فاسدون جدا، وتجد وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالأدعية والآيات القرآنية، وفي المقابل تجد هذه الحسابات نفسها تغرد بالإشاعات والأخبار المغلوطة أو تتراشق بأقسى أنواع السُباب والقذف، حالة لم تنتج عن خلل في نظرية اجتماعية لكنها بسبب غياب النظرية الاجتماعية التي يتبناها المجتمع للتعامل مع الأفراد.

ويتعدى الأمر هذا السوء إلى أمر أسوأ، وهو أن تتحكم السلطة أو أصحاب النفوذ في مفاهيم المجتمع وسلوكياته، بحيث يكون المجتمع مفرغا من قراره، فيكون الحرام حراما متى ما أرادت السلطة ويكون الحلال حلالا متى ما قبلت السلطة ذلك، تجهيلا للشعوب التي حُرمت من قرارها في بناء شكل خاص بها في المنع أو الإباحة أو أنماط الحياة.

إنَّ المجتمعات التي تُبنى وفقا لرؤى أفرادها وبما يتناسب مع حياتهم واحتياجاتهم هي المجتمعات التي تنمو وتزدهر وتنتج أدبا وعلما وثقافة تصدرها إلى جميع شعوب العالم، فتحتل بها ما عجزت عنه خيول نابليون ومدافع موسوليني، أما المجتمعات التي لا تملك قرارها ولا تعرف هويتها فهي مجتمعات مستقبلة لا مرسلة تنتظر الغرب بما يحمل من حديث وجديد، فيطرأ ويأخذ وقته ثم ينتهي ويذهب مع ريح الشمال الراحلة.

إنَّ أضعف الإيمان لمجتمعات عربية كثيرة منعت من ممارسة السياسة والخوض فيها، أن تبادر لبناء المجتمع اجتماعيا فتحسن من سلوك أفراده وتثقفهم بما يضعهم على خطى المجتمعات الأخرى، علَّ هذه الخطوة تسهم في تخريج جيل من أصلاب جيل الشتات، فيبني مجتمعاً صاحب ثقافة تُصدر إلى العالم كصورة مشرقة لمجتمعات عاشت عصراً من الظلام الاجتماعي بيد ساسة لم تعرف نظرية للحكم سوى «السيف والجلاد».

خارج النص:

- سألت صديقاً لي عن مفهوم تربية الأبناء، فقال: أكل وشرب ونوم ولباس... والحمد لله، فقلت له: هذه رعاية تصلح للحيوان والإنسان، أما التربية فهي اهتمام ومتابعة وتنمية وإرشاد وتثقيف، وصرخت بأعلى صوت في الديوانية «ربوا عيالكم لكي ينصلح المجتمع».

back to top