التاريخ السياسي للحصار الاقتصادي

نشر في 07-11-2018
آخر تحديث 07-11-2018 | 00:15
 أ.د. غانم النجار هل تؤثر العقوبات والحصار والمقاطعة على الدول المستهدفة؟ الإجابة هي نعم، إلا أن درجة التأثير تختلف باختلاف أدوات الحصار والهدف منه. فكلما اتسعت أهدافه، تحوَّل إلى معركة سياسية ليست معلومة النتائج.

الحصار، أو المقاطعة، أسلوب قديم قِدم تكوُّن المجتمعات البشرية، وهو متعدد المجالات، فمنه السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، ومنه الرياضي، وربما كان أكثرها تأثيراً المقاطعة الدولية الرياضية لنظام جنوب إفريقيا العنصري. والشيء بالشيء يُذكر؛ عندما قاطعت أميركا ومعسكرها، الألعاب الأولمبية التي أقيمت في الاتحاد السوفياتي، بسبب الحرب الأفغانية سنة ١٩٨٠، فثأرت منظومة السوفيات، لتقاطع الألعاب الأولمبية التي أقيمت بأميركا سنة ١٩٨٤.

ما بدأ قبل يومين من فرض عقوبات اقتصادية أميركية على إيران ليس بجديد، بل هو إعادة لفرضها، حيث كانت موجودة قبل الاتفاق النووي سنة ٢٠١٥.

الحصار، أو العقوبات الاقتصادية، وبالذات عندما لا يكون معتمداً من الأمم المتحدة، ويكون مصدره دولة أو أكثر، يستهدف تحقيق نتائج اقتصادية بحتة، وهو نوع نادر الحدوث، وفي الغالب يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية. لكن دراسة التجارب التاريخية للحصار تدل على ضعف النتائج المباشرة، وقليل ما انتهت بخضوع الطرف المحاصَر لمطالب الحصار.

في بعض النماذج يحدث تغيير سياسي داخلي، أو غزو خارجي، أو حراك شعبي داخلي، أو انقلاب في القصر، أو عن طريق العسكر، أو يغيِّر الطرف المنشئ للحصار من سياسته. وربما تأتي كوبا كأبرز مثال على ذلك، حيث تعرَّضت لمحاولة غزو فاشلة في خليج الخنازير، تبعها أشد حصار أميركي متعدد الركائز لعقود، علماً بأن كوبا جزيرة لا تبعد عن أميركا أكثر من ٩٠ ميلاً، وفي الوقت نفسه مازالت أميركا تؤجِّر منها قاعدة غوانتانامو، التي حوَّلت جزءاً منها إلى سجن. فماذا حدث؟ لم يحدث انهيار للنظام الكوبي، بل استمر لحين وفاة المؤسس فيدل كاسترو، وقرار أميركي بتغيير سياستها، والانفتاح من جديد عليها.

زُرت كوبا قبل سنتين، فوجدت تأثير الحصار على كل شيء تقريباً، لكنهم متخوفون من القادم، ويدركون أنه لابد من التغيير، والذي قد يأتي بنتائج على المستوى الاجتماعي والسياسي غير محمودة.

في قضية حصار إيران، علينا أن نقرأه بعين وذهن مفتوحين، لا بعاطفة لا علاقة لها بالواقع، حيث قد يستمر مع معاناة الشعب الإيراني دون السُّلطة الإيرانية، متأثراً على المدى القريب جداً بالانتخابات النصفية للكونغرس غداً، ومدى تأثيرها على أسعار النفط. وسيأتي لاحقاً تغيير في السُّلطة الأميركية، لتغيِّر من سياستها تجاه إيران، ونُعيد ذات الكرَّة.

بالنسبة لنا في المنطقة، هناك حاجة للبدء جدياً في معالجة الملفات العالقة كُلّها، ووضعها على الطاولة، للوصول إلى استقرار، والسعي إلى إيقاف كل الحروب، بحراك جماعي يتوخى أمن المنطقة وسلامتها، وليس عن طريق حروب جديدة. ومن أسف أننا في الوقت الذي نحاول فهم ما يجري من حصار أميركي على إيران، صار علينا أيضاً أن نعالج وضعاً خليجياً مماثلاً، فمن أين نبدأ؟ وأين سننتهي؟

back to top