الإفراط في النوم... هل يؤذي دماغك؟

نشر في 06-11-2018
آخر تحديث 06-11-2018 | 00:00
No Image Caption
مع تراكم سنوات من الأبحاث، نحقق تقدماً متواصلاً في فهمنا النوم. فإنه ما زال يخبئ ألغازاً كثيرة، مع أنه يشكّل نحو ثلث حياتنا كلها.
استخلصت أكبر دراسة نوم حتى الآن أن لنقص النوم وفرطه تأثيراً سلبياً في مقدراتنا المعرفية لا في ذاكرتنا القصيرة الأمد.
تؤدي قيود الحياة العصرية غالباً إلى حصولنا على مقدار من النوم أقل مما نرغب فيه. وما الكافيين، والإجهاد، والوقت المتزايد الذي نمضيه إزاء الشاشات إلا غيض من فيض الأسباب التي تحول دون حصول الناس على النوم الذي يحتاجون إليه. إذاً، مع تراجع نوعية نومنا، يغدو فهم تأثيره في صحتنا وأدائنا بالغ الأهمية.

بغية تعزيز معرفتنا المتنامية عن النوم، أعدّ باحثون من معهد العقل والدماغ في جامعة ويسترن بكندا أكبر دراسة عن النوم حتى اليوم عبر الإنترنت. أُطلقت في شهر يونيو عام 2017، وجمعت بيانات من أكثر من 40 ألف مشارك في غضون الأيام القليلة الأولى.

يوضح أدريان أوين، باحث متخصص في علم الأعصاب المعرفي في جامعة ويسترن: «أردنا حقاً أن نحدد عادات النوم لدى الناس حول العالم بأسره. من المؤكد أن دراسات نوم كثيرة أصغر حجماً أُجريت على البشر في المختبرات، إلا أننا رغبنا في اكتشاف ماهية النوم في العالم الحقيقي».

سمح عدد المشاركين وتنوعهم للباحثين بمقارنة تأثير الحرمان من النوم في المجموعات العمرية المختلفة وأنماط الحياة المتنوعة. ونشرت الاكتشافات الأولية، التي استندت إلى تحليل 10 آلاف شخص، في مجلة SLEEP (النوم).

بغية الحصول على فهم معمّق لمن يشاركون في الدراسة، جمع الفريق بيانات مفصلة من المشاركين. يضيف أوين: «أعددنا استبانات موسّعة عموماً أطلعتنا على تفاصيل مثل الأدوية التي يتناولونها، وعمرهم، وأين يعيشون في العالم، ونوع التعليم الذي تلقوه لأن كل هذه عوامل تؤثر في بعض النتائج».

منح العلماء فرصة لاختبار مجموعة من النظريات وفهم كيفية تأثير كمية النوم في الإنسان. خضع المتطوعون لمجموعة من 12 اختباراً معرفياً متقناً بهدف ربط كمية النوم بالمقدرة العقلية.

نام نحو نصف المشاركين 6.3 ساعات أو أقل كل ليلة، أي ما يُعتبر أدنى بنحو ساعة من المستوى الذي تنصح به الدراسة.

أين مواضع النقص؟

فوجئ العلماء عندما لاحظوا أن النوم سبع إلى ثماني ساعات كل ليلة يرتبط بالنشاط المعرفي الأعلى، في حين قادت فترات النوم الأقصر أو الأطول إلى تراجع في هذا الأداء.

من اللافت أن هذا التأثير ظلّ ثابتاً بغض النظر عن السن. بالإضافة إلى ذلك، تركّز قصر فترات النوم بين المسنين خصوصاً، ما جعلهم أكثر عرضة عموماً لتأثيرات الحرمان من النوم، مقارنةً بالمجموعات العمرية الأخرى.

أثّر نقص النوم وفرطه على حد سواء سلبياً في مجموعة متنوعة من الوظائف المعرفية، من بينها تحديد أنماط معقدة والتلاعب بمعلومات بغية حل المشاكل. وكانت القدرة الكلامية الأكثر تأثراً.

أحد أبرز الاكتشافات المفاجئة التي قدمتها الاختبارات المعرفية أن مَن ناموا أربع ساعات أو أقل كل ليلة قدموا أداء يماثل أداء مَن كانوا أكبر منهم سناً بنحو ثماني سنوات. يذكر كونور وايلد، باحث أشرف على إعداد تقرير الدراسة: «اكتشفنا أن مقدار النوم الضروري لإبقاء أداء دماغك في أفضل مستوياته يبلغ سبع إلى ثماني ساعات كل ليلة. ويتلاءم هذا مع ما ينصحك به الطبيب كي تبقي جسمك بأفضل حال».

يتابع موضحاً: «اكتشفنا أيضاً أن مَن ناموا أكثر من هذا المقدار تعرضوا لنوع الإعاقة ذاته كما مَن نالوا مقداراً قليلاً من النوم». صحيح أن الباحثين توقعوا ملاحظة نواقص معرفية في حالة مَن ناموا ساعات أقل، إلا أن رؤية النواقص عينها في حالة مَن أفرطوا في النوم كانت مفاجئة.

عندما غاص العلماء في أنواع الاختبارات المعرفية المختلفة، لاحظوا أن الذاكرة القصيرة الأمد لم تتأثر عموماً بمدة النوم. وهذا أيضاً أمر مفاجئ، بما أننا ندرك جيداً أن النوم يؤدي دوراً مهماً في ترسيخ الذاكرة.

أشارت دراسات أخرى عن نقص النوم، حُرم فيها المشاركون من النوم طوال ليلة، إلى تراجع في أداء الذاكرة. وتساءل المعدون عما إذا كان هذا الأمر يُظهر أن لعادات النوم على الأمد الطويل تأثيراً معرفياً مختلفاً عما يسببه الحرمان من النوم على الأمد القصير. ولكن يبدو أن ليلة نوم كافية لعكس جزء من التأثيرات السلبية الناجمة عن النوم أقل من سبع إلى ثماني ساعات. واكتشف الباحثون أيضاً أن مَن ناموا أكثر من المعتاد في الليلة التي سبقت خضوعهم للاختبارات قدموا أداء أفضل مقارنةً بمن ناموا المقدار المعتاد.

«انعكاسات في العالم الحقيقي»

تُظهر النتائج حجم تأثير النوم في طريقة أداء دماغنا. ولا شك في أن هذا أمر بالغ الأهمية بما أن عدداً متزايداً منا يحظون بمقدار أقل من النوم. يقدّم معدو الدراسة تحذيراً حالكاً: «لهذه الاكتشافات انعكاسات مهمة في العالم الحقيقي لأن كثيرين، بمن فيهم مَن يتبوؤون مناصب ذات مسؤولية، يعملون من دون الحصول على قسط وافٍ من النوم وقد يعانون يومياً خللاً في التحليل المنطقي، وحل المشاكل، ومهارات التواصل».

في المقابل، أشار الباحثون إلى بعض حدود هذه الدراسة. على سبيل المثال، ثمة مشاكل لا مفر منها في الاعتماد على المشاركين أنفسهم لتحديد مدة نومهم. ولكن لما كانت هذه الدراسة شملت عدداً ضخماً من الناس، فمن المفترض أن تكون تأثيرات هذه المشاكل محدودة.

بالإضافة إلى ذلك، هذه الدراسة مقطعية، ما يعني أنها ألقت نظرة على كل مشارك. ويشير هذا التصميم إلى أن من غير الممكن إثبات علاقة سببية بشكل قاطع.

ليلة نوم كافية لعكس جزء من التأثيرات السلبية الناجمة عن النوم أقل من 7 إلى 8 ساعات
back to top