في وداع العم النوخذة «بومساعد» المرحوم خالد حسين العلي

نشر في 05-11-2018
آخر تحديث 05-11-2018 | 00:18
 يوسف الجاسم مليء بالطيبة، معجون بالحكمة والبصيرة والاعتدال، جاء من زمن المؤسسين ممن غمسوا خبزهم بعرقهم، ليسدوا رمقهم، ويكفوا حاجة أهلهم، ويرعوا أطفالهم حتى يكبروا.

قاسى اليُتم المبكر، ليتحوَّل الشاب اليافع في جسده وعقله وإرادته إلى عملاق تراه يطوي البحار على هواه، كما روته مذكرات بحار محمد الفايز.

ارتوى من الحياة ملامساً قرناً من الزمان، ولم يختلف مع أحد، ولم ينازعه أحد، وكان الأب والأخ والمعين لكل قريب منه وبعيد، وظلل بهدوئه رحاب بيته، وغمرت سكينته محيطاته الأسرية والاجتماعية، فنثر من حوله المحبة، وزهت روحه عند بارئها بحُسن العمل والخاتمة بين يدي مليك مقتدر.

نعزي أهله وأنفسنا ومحبيه ورفيقة دربه عبر ما يزيد على السبعة عقود؛ العمة "أم مساعد"، وودَّعناه كبيراً، مثلما عاش بيننا أباً رحوماً وصدراً رحباً ملأنا بالحنان والمحبة. كان وداعه مهيباً، بقدر مهابته كإنسان كبير ببساطته وتاريخه العريق.

لن يفارق العم "بومساعد" ذاكرة أبنائه وأهله ومحبيه بحجم الإرث الكبير من القيم التي زرعها في نفوسهم رحمه الله.

كتب الباحث في التراث البحري الكويتي الأستاذ الدكتور يعقوب يوسف الحجي في العم النوخذة خالد حسين العلي (بومساعد) كواحد من نواخذة السفر الشراعي المشهود لهم بالتميز، ما يلي:

وُلد عام 1923م، ودخل مدرسة الأيام لشملان آل سيف، وكان أحمد الخميس مدرسه لمدة 4 سنوات، ثم دخل المباركية لمدة عام، وكان من مدرسيه سيد عمر، وعبدالوهاب الفارس.

ثم درس الفلك عند الملا عبدالرحمن الحجي، واللغة الإنكليزية عند هاشم البدر، ثم عمل بالسوق (في دكان) عدة سنوات، قبل أن يركب البحر مع النوخذة راشد المبارك، وظل أربع سنوات مع النوخذة راشد يتعلم في بوم محمد ثنيان الغانم، المعروف باسم "نايف". وكان معهم "معلم" (يقيس مواقع السفينة في عرض البحر) النوخذة محمود العصفور، قبل أن يتسلم قيادة إحدى السفن. وهو الذي علَّم النوخذة خالد العلي أصول القياس والملاحة حين كان على البوم "نايف" معهم.

ثم ركب النوخذة خالد مع النوخذة حمد صالح المطر (أخوه من جهة الأم) مساعد نوخذة (نوخذة شراع) لمدة عام واحد، بعدها أصبح نوخذة على البوم "أسعيد" عام 1937، وقد كان في الأصل بتيل الغوص التابع لراشد بن أحمد الرومي لمدة عام واحد.

ثم ركب نوخذة في بوم المزيدي (حمولة 1500 طن)، وفاجأتهم عاصفة أدت إلى غرق هذا البوم. ثم تسلم قيادة بوم لخالد الداود المرزوق واسمه "سمحان" لمدة عام واحد، وبعدها سافر نوخذة في بوم أحمد الغانم لمدة عشر سنوات، ثم ركب نوخذة في لنج اسمه "سحاب"، أي بوم مزود بماكينة وشراع، لأحمد الغانم لمدة 4 سنوات، وكانت سفراته إلى الهند.

وفي عام 1956 ترك النوخذة خالد السفر، وعمل في وظيفة مراقب مسؤول عن مناطق القبلة، وكانت الشؤون، آنذاك، تحت رئاسة المرحوم حمد الرجيب. وظل يعمل في هذه الوظيفة مدة عشر سنوات حتى تقاعد. ومازال يتذكر باعتزاز حرفة النوخذة التي قام بها في شبابه.

وقد ذكر النوخذة عيسى العثمان في رزنامته، أنه شاهد النوخذة خالد العلي وقد وصل لتوه إلى بندر الكويت عائداً من رحلة سفر عام 1942م، كما ذكره في الموسم السابق (عام 1941م) حين وصل النوخذة خالد إلى بندر كراجي في رحلة أخرى إلى بنادر الساحل الهندي في ذلك العام – إحدى سنوات الحرب العالمية الثانية. كذلك كان النوخذة خالد عائداً من رحلة سفر في بوم أحمد الغانم (نمر) عام 1947م حين تعرَّضت له سفينة خفر السواحل الإيرانية وضايقته، فرفع النوخذة شكوى إلى الشيخ أحمد الجابر – حاكم الكويت آنذاك، الذي بعث برسالة شكوى إلى المعتمد البريطاني بالكويت يحضه فيها على التدخل لمنع مثل هذه المضايقات للسفن الكويتية العائدة إلى الكويت من الهند أو اليمن.

ترك النوخذة خالد قيادة السفن الشراعية عام 1956 وتفرَّغ للتجارة، وظل يتذكر سنوات شبابه، ويعتز بها وببحارته الأوفياء، حتى وفاته يوم السبت 27 أكتوبر 2018.

back to top