مخاطر بوتين غير المحبوب

نشر في 04-11-2018
آخر تحديث 04-11-2018 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت قبل سبعة أشهر فقط، فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة انتخابه للمرة الرابعة بنسبة 77% من الأصوات، ولكن وفقا لاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز أبحاث الرأي العام الروسي، إذا أجريت انتخابات رئاسية الآن فلن يتلقى بوتين في الأرجح أكثر من 47% من الأصوات، مما يجبره على خوض جولة إعادة، وهي حالة بالغة الخطورة لروسيا والعالَم.

بطبيعة الحال، لا تعكس بيانات استطلاع الآراء في روسيا بالضرورة توازن القوى الحقيقي، ومع ذلك فإن مثل هذا الانحدار الحاد يُعَد تطورا ملحوظا، خصوصا أن الروس، الذين يتذكرون بوضوح العقوبات القاسية التي تعرض لها المنشقون خلال الحقبة السوفياتية، يفضلون غالبا الحديث بشكل إيجابي عن قادتهم إذا سُئلوا عنهم.

في البداية، نجح بوتين في تأمين الرئاسية في عام 2000 على وعد برفع مستويات المعيشة واستعادة مكانة روسيا بوصفها قوة عالمية رائدة، ومن حسن حظه، بدأت أسعار النفط ترتفع إلى عنان السماء. في الوقت نفسه، بدأ بوتين يعمل على إحياء الاتحاد السوفياتي تحت مسمى مختلف ولكن على نحو مماثل استنادا إلى معارضة القيادة العالمية الأميركية ونشر الديمقراطية على النمط الغربي.

منذ البداية، استخدم بوتين الرقابة على وسائط الإعلام لتأمين سلطته، وضمان الترحيب بأي نجاح- بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط- باعتباره من إنجازاته الشخصية، وكما أعلن رئيس مجلس الدوما الروسي (البرلمان) فياتشيسلاف فولودين في عام 2014، "هناك بوتين، هناك روسيا؛ لا يوجد بوتين، لا توجد روسيا".

وبالطبع، لم تكن الإخفاقات نتيجة لفشل بوتين قَط، وعلى هذا ففي عام 2007، عندما تباطأ النمو الاقتصادي واتسعت فجوة التفاوت الاجتماعي، ألقى بوتين خطابا أمام مؤتمر ميونيخ للأمن أدان فيه الولايات المتحدة لهيمنتها على الشؤون العالمية، وأشار ضمنا إلى أن توسع حلف شمال الأطلسي إلى منطقة البلطيق كان موجها ضد روسيا.

وفجأة، بات من الممكن إلقاء اللوم عن كل متاعب روسيا على شماعة حرب باردة جديدة، يفترض أن الغرب أعلنها. وفي عام 2008، جاء إعلان استقلال كوسوفو وحرب روسيا في جورجيا لتعزيز رواية بوتين التي تصور روسيا وكأنها "حصن محاصر".

مع ذلك، انخفضت معدلات قبول بوتين بحلول عام 2013 إلى مستويات غير مسبوقة، أدنى حتى من مستويات اليوم. ومن ثَم فقد شهر بوتين سلاحه الضخم، مجازيا أولا ثم حرفيا، ففي عام 2014، بعد الأداء المبهر الذي قدمه الرياضيون الروس في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي (بمساعدة نظام منشطات رعته الدولة)، قامت روسيا بغزو أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وأعلنت وسائل الإعلام المملوكة للدولة أن بوتين وفى بوعده باستعادة عظمة روسيا السابقة.

وارتفع معدل قبول بوتين إلى عنان السماء ليسجل 85%، وامتلأت المتاجر الروسية بقمصان مزينة بصور لوجهه بجانب عبارات مثل "نشكرك على القرم" و"أكثر الناس تأدبا"، وفي نظر الغالبية العظمى من الروس، كانت سلطة بوتين غير قابلة للجدال، فإذا دعم رئيسهم سياسة أو قرارا، كان الروس يقبلونه عن طيب خاطر، حتى إن كان يفتقر إلى الشعبية في البداية.

اتبع بوتين النصيحة المنسوبة إلى فياتشيسلاف كونستانتينوفيتش فون بليهيف، الذي شغل منصب مدير الشرطة، ثم في وقت لاحق منصب وزير الداخلية، في عهد القيصر نيقولا الثاني، "لتفادي الثورة، نحتاج إلى حرب منتصرة صغيرة". ولكن برغم أن حرب بوتين الصغيرة المنتصرة نجحت في تعزيز موقفه وإخراس المعارضة، فإن العواقب الطويلة الأمد كانت شديدة، بسبب العقوبات الصارمة التي فرضها الغرب في الرد على ضم شبه جزيرة القرم.

نتيجة لهذه العقوبات، انخفضت قيمة الروبل بمقدار النصف في مقابل الدولار، وارتفع التضخم، وهبطت مستويات معيشة الأسر الروسية وقوتها الشرائية، وفي نهاية الصيف المنصرم، اضطرت الحكومة الروسية التي تعاني ضائقة مالية إلى رفع سن التقاعد، وهو القرار الذي عارضه 90% من السكان. وحتى النداء التلفزيوني الطارئ من قِبَل بوتين ذاته لم يكن كافيا لتأمين دعم شعبي أوسع.

فضلا عن ذلك، كان حزب روسيا المتحدة الحاكم، على الرغم من دعم بوتين، يعاني نكسات انتخابية نادرة في أقصى شرق روسيا، وألحق ممثلو الحزب الديمقراطي الليبرالي المناهض للغرب هزيمة منكرة بمرشحي حزب روسيا المتحدة في الجولة الثانية في انتخابات حكام الولايات في منطقتي خاباروفسك وفلاديمير.

وفي انتخابات حكام الولايات في بريمورسكي كراي، بدا الأمر وكأن مرشح الحزب الشيوعي فاز- جزئيا بفضل التصويت الاحتجاجي ضد حزب روسيا المتحدة- قبل الحكم ببطلان الانتخابات، وإعلان فوز مرشح روسيا المتحدة. وكان اللغط قويا إلى حد إلغاء نتائج الانتخابات، لأول مرة في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي.

يزعم بعض الخبراء أن الهزائم الانتخابية التي مني بها حزب روسيا المتحدة تعكس نوعا من "إرهاق السلطة"، لكن الحقيقة تظل أن الإعلانات عن عظمة روسيا بدأت تصبح جوفاء مع انحدار رفاهية المواطنين الروس العاديين، واستمرار ثروات رفاق بوتين في التضخم.

الآن، يتساءل المواطنون عن مدى قوة موقف روسيا حقا، فتحت وطأة العقوبات وعزلها من قِبَل الغرب، بدأت روسيا تبدو أقل شبها بالقوى العظمى من القوة الجيوسياسية التي كانت عليها، ولا تزال الدعاية الرسمية تلقي باللائمة على الغرب عن المحنة التي تعيشها البلاد، لكن الروس غير مقتنعين. هذا فضلا عن عدم إعجابهم بتورط روسيا في سورية النائية، مهما بلغت قوة الدفعة التي قد تعطيها للدور الذي تلعبه روسيا في الشؤون العالمية، على عكس قبولهم لضم شبه جزيرة القرم المجاورة.

ولكن إذا كنا تعلمنا أي شيء من ثماني عشرة سنة أمضاها بوتين في السلطة، فهو أن معدلات القبول المتدنية ليست خبرا سارا لأي شخص. فربما سئم الروس هذا الوضع، لكن هذه ليست حال بوتين، وإذا كان يشعر بأن سلطته بدأت تتراجع، فربما يقرر قريبا أن الوقت قد حان لتحقيق نصر آخر على حساب آخرين.

* تيخون دزيادكو

* محلل وصحافي روسي في شبكة التلفزيون المستقلة RTVI.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top