هل موقف ترامب النووي خطة متقنة أم مراهنة متهورة؟

نشر في 01-11-2018
آخر تحديث 01-11-2018 | 00:00
 كاب إكس يعشق ترامب التحدث بدون أي تكلّف، فقد ساعده هذا في حشد الدعم المحلي، ودفع الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ أون إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحمل خصم الولايات المتحدة الاستراتيجية الأول، الصين، على إعادة تقييم كيفية تعامله مع واشنطن، ولكن في المسائل المتعلقة بالمعاهدات الدولية الهشة، يصبح تقلب ترامب خطيراً، ويشكّل إعلانه أن الولايات المتحدة تنوي الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987 خير مثال.

في ذروة الحرب الباردة، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على حظر كل الصواريخ الجوالة والبالستية المتمركزة براً المتوسطة المدى (بين 500 و5500 كيلومتر)، فأدت معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى هذه، التي وقعها ريغان من الجانب الأميركي ونظيره ميخائيل غورباتشوف من الجانب السوفياتي، إلى تدمير 2692 صاروخاً، فضلاً عن منصات إطلاقها، كذلك أنهت مواجهة خطيرة في أوروبا بين صواريخ بيرشينغ والصواريخ الجوالة الأميركية وصواريخ إس إس-20 السوفياتية، وخففت إلى حد كبير من التوتر بين واشنطن وموسكو.

تعود الشكوك إلى أن روسيا تخرق هذه المعاهدة إلى عقد على الأقل، ففي عام 2008 اشتبهت أجهزة الاستخبارات الأميركية أول مرة بأن موسكو تطور صاروخاً جوالاً متوسط المدى يُطلق من البر، وفي عام 2014، نبّه أوباما الحلفاء الغربيين لأن روسيا تختبر صاروخاً مماثلاً، وبدل الانسحاب من المعاهدة، سعت إدارته إلى دفع روسيا إلى الالتزام بها مجدداً.

كانت هذه الاستراتيجية التي اتبعها ترامب بادئ الأمر، ففي عام 2017، اتهمت إدارته روسيا بالبدء بنشر هذا الصاروخ، الذي أصبح يُعرف آنذاك بنوفاتور 9إم729، ورداً على ذلك، أعلنت واشنطن "استراتيجية متكاملة" للضغط على موسكو كي تعود إلى الالتزام بالمعاهدة.

ثمة أسباب وجيهة لاتباع استراتيجية مماثلة، لعل أبرزها أن المسؤول عن إخفاق المعاهدة روسيا لا الولايات المتحدة، ففي الوقت عينه كان حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وحلف شمال الأطلسي ملتزمين بالمعاهدة ولا يزالون عموماً، ولكن بالنسبة إلى ترامب على الأقل، تبدلت الحسابات، فقد حذّر وزير الدفاع جيمس ماتيس في مطلع هذا الشهر أن الولايات المتحدة ستُضطر، إن لم تبدّل روسيا مسارها، إلى تطوير قدراتها لتضاهي الصاروخ الروسي 9إم729، وخصوصاً أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تملكان راهناً أي أداة ردع مماثلة.

تأثر قرار ترامب على الأرجح بآراء مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي ينظر إلى محاولات الحد من انتشار الأسلحة نظرة ازدراء، إذ كان بولتون القوة الدافعة وراء قرار جورج بوش في عام 2001 فسخ معاهدة الصواريخ المضادة للبالستية، كذلك عارض معاهدة ستارت الجديدة (معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة)، وهي اتفاق بشأن الأسلحة التي تستطيع الولايات المتحدة وروسيا استخدامها لاستهداف إحداهما الأخرى والتي يُفترض أن تنتهي مدة صلاحيتها في عام 2021. في عام 2011، كتب بولتون مقالاً تحليلياً نُشر في صحيفة وول ستريت جورنال دعا فيه الولايات المتحدة إلى الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، معتبراً برنامج إيران الصاروخي أحد الأسباب.

لكن سباق تسلح نووياً كذاك الذي تتصوره نظرة بولتون إلى العالم يمثل عودة إلى بعض الأيام الأكثر خطورة خلال الحرب الباردة. فإذا انسحبت الولايات المتحدة من هذه المعاهدة وأبت تجديد معاهدة ستارت الجديدة، فستتحرر الترسانات النووية من كل الضوابط للمرة الأولى منذ عام 1972، ولا شك أن هذا سيزيد بوتين جرأة.

صحيح أن معاهدة 1987 لا تخلو من الشوائب، إلا أنها فاعلة، فكما أشار حلف شمال الأطلسي، اعتُبر هذا الاتفاق منذ توقيعه "بالغ الأهمية بالنسبة إلى الأمن الأوروبي-الأطلسي"، فمن دون هذه المعاهدة، ما من سبب يدفع روسيا حتى إلى الادعاء أنها لا تطور أو تنشر صواريخ بالستية متوسطة المدى.

من غير المرجح، حتى في هذا الإطار، أن يرغب حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون في نشر صواريخ أميركية على أراضيهم، كما حدث خلال الحرب الباردة في المملكة المتحدة، وبلجيكا، وهولندا، وغيرها، فقد تؤدي خطوة مماثلة إلى إشعال الرأي العام الأوروبي وتعزز الشقاق عبر الأطلسي الذي يسعى الكرملين إلى زرعه.

ولكن ربما يشكّل كل هذا جزءاً من خطة متقنة وضعها ترامب، يزور بولتون راهناً موسكو ليعلم نظراءه الروس بقرار الولايات المتحدة الانسحاب من المعاهدة، فإذا دفع هذا روسيا إلى الالتزام مجدداً بالمعاهدة أو أدى إلى تسوية استراتيجية بديلة للحفاظ على استقرار المنطقة الأوروبية-الأطلسية، يكون ترامب قد فاجأنا وحقق النجاح، ولكن كما يبدو في الوقت الراهن، يفكك ترامب، الذي روّج لنفسه بين الناخبين كصانع صفقات، الصفقات. والصفقات التي يقوضها هي تلك التي صانت الأمن الغربي طوال أكثر من ربع قرن.

* أندرو فوكسال

*«كاب إكس»

back to top