تزويد روسيا لسورية بصواريخ «إس - 300» رسالة أكثر منه تهديداً

نشر في 27-10-2018
آخر تحديث 27-10-2018 | 00:02
صواريخ «إس - 300»
صواريخ «إس - 300»
مادامت الولايات المتحدة في سورية وتعمل على ردع إيران، كما قرّرت إدارة ترامب، فقد لا تحظى موسكو بالضرورة بالميزة الإقليمية التي تسعى إليها.
قد يبدو مستغرباً قيام موسكو بتزويد سورية بنظامها الصاروخي المضاد للطائرات من نوع «إس-300» لا سيما أن القرار جاء بعدما أقدم نظام الرئيس الأسد عن غير قصد على إسقاط طائرة استطلاع روسية من طراز «إليوشن-20» شمال سورية في 17 سبتمبر باستخدامه صواريخ «إس-200» الأقل تطوراً، فلماذا إذاً قامت روسيا بإعطاء نسخة أكثر تطوراً من هذا السلاح إلى حليف يفتقر إلى الكفاءة وأسقط لتوه إحدى طائراتها؟ ألن تؤدي هذه التقدمة إلى زيادة المخاطر التي يواجهها الروس الذين ينفذون العمليات في المجال الجوي السوري؟

قد يكون ذلك صحيحاً، لكن بالنسبة إلى الكرملين، يدور تسليم صواريخ «إس-300» حول أمر واحد فحسب وهو: التأكيد على هيمنته المتنامية في سورية، فهو بمثابة رسالة سياسية موجّهة إلى الغرب وإلى كل الأطراف الأخرى في المنطقة، ومفادها أن روسيا إنّما جاءت الى المنطقة لتبقى فيها.

ويقيناً، إن الحادثة التي تعرضت لها طائرة «إليوشن-20» كانت محرجة لموسكو، فقد كشفت عن عدم كفاءة روسيا وحليفها السوري على حدٍّ سواء، فادّعاء موسكو بأن إسرائيل تعمّدت خلال الحادثة استغلال وجود طائرة «إليوشن-20» كغطاءٍ لضربتها على سورية بواسطة طائرات «إف-16» وأبلغت نظيرتها الروسية بالضربة قبل وقوعها «بدقيقة واحدة» فقط كان اتهاماً سخيفاً. لقد كانت بالفعل محاولة خرقاء لحفظ ماء الوجه.

ومع ذلك، إنّ إمداد الأسد بصواريخ «إس-300» يمنح بوتين تأثيراً إضافياً على الغرب ويدعم حلفاء موسكو، فهذه الصواريخ لا تهدد إيران و»حزب الله» أو التنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية، لكنها قادرة على الحد من حرية العمل العسكري لإسرائيل وتركيا، أو على الأقل جعلها أكثر تعقيداً.

وفي الوقت نفسه، تعطي صواريخ «إس-300» خيارات للأسد (وبالتالي لموسكو) لم تكن متاحةً لهما في السابق من أجل تقويض الدور الأميركي في سورية. ومن المحتمل أن تزيد من قدرة «نظام الدفاع الجوي المتكامل» التي تملكه سورية، وبالتالي توفير غطاء إضافي لأنشطة إيران والأسد في سورية. كما يمكن أن تعقّد العمليات التي تشنّها الولايات المتحدة وقوات التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبالفعل، تشكّل سلسلة صواريخ «إس-300»- التي هي أساساً النسخة السابقة من الجيل الراهن المعروف بـ»إس-400»- جوهرة الصادرات الروسية من صواريخ أرض-جو، وإذا أثبتت فعاليتها فقد تعزّز مكانة موسكو بصفتها المَصدر المفضّل لإمدادات السلاح في المنطقة.

ومهما يكن من أمر لا يزال مدى سيطرة الأسد على سورية أمراً غير مؤكد تماماً فالأمور ما زالت حتى هذه اللحظة غامضة للغاية. فعلى الرغم من الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا، فمن المرجح أن تكون المعركة على إدلب في سورية مشتركة، وقد تحدث في المستقبل القريب، وثمة احتمال فعلي بوقوع اشتباك بين إسرائيل وإيران في سورية، أما الولايات المتحدة فستبقى في سورية وتواصل العمل مع «قوات سورية الديمقراطية»، في حين ستواصل فرنسا وبريطانيا ضرباتهما الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية، وبالنسبة الى بوتين يعني هذا الوضع أمراً واحداً، وهو: استخدام كل تأثير ممكن لضمان احتفاظ موسكو بنفوذها هناك.

وفي الوقت نفسه، ما زال عدد كبير من التفاصيل المهمة الخاصة بصفقة بيع صواريخ «إس-300» غير معروفاً، ومن بينها: عدد الصواريخ التي حصل عليها الأسد، ونوع النظام الذي استلمته سورية، والموقع الذين ستُنشر فيه هذه الصواريخ، وما إذا كان سيتعيّن على سورية دفع ثمن هذه المعدات، والأهم من ذلك، مَن سيشغّل صواريخ «إس-300»؟

إن تعلّم كيفية تشغيل صواريخ «إس-300» يستغرق شهوراً من التدريب المكثّف، وقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن تدريب السوريين على استعمال الصواريخ سيستغرق ثلاثة أشهر على الأقل. ومع ذلك، يستخدم السوريون صواريخ «إس-200» التي وفّرها الاتحاد السوفياتي على مدى 30 عاماً، ومع ذلك أسقطوا طائرةً روسية، ولا شك أن ثقة بوتين بالكفاءة العسكرية السورية متدنية وتُلقي بظلال الشك على الموعد النهائي الذي أعلنه شويغو، لكن إذا تولّى الروس تشغيل هذه الأنظمة الصاروخية في سورية- ضد إسرائيل- فسيكون للأمر تداعيات مهمة وخطيرة.

وفي الوقت نفسه قد تفقد موسكو بعض نفوذها في سورية مع تزويد هذه الأخيرة بصواريخ «إس-300». فحتى الآن، حافظ بوتين على علاقات جيدة مع كل الأطراف في الشرق الأوسط، على الرغم من تفضيله الواضح للتكتل الشيعي المعادي للولايات المتحدة. لكن من غير الواضح ما إذا كان سيواصل الحفاظ على هذا التوازن.

إن صواريخ «إس- 300» هي سلاحٌ قوي، ولكن لها حدودها، فهي موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد تسنّى للجيشين الأميركي والإسرائيلي دراستها على مدى سنوات ومعرفة إمكاناتها، وفي هذا الإطار، هناك أهمية أيضاً للمراقبة الجوية وإدارة المعارك. فإذا كان نظام المراقبة الجوية بطيئاً جداً في رؤية طائرة ما، على سبيل المثال، فلن تكون هناك أهمية لمدى قوة نظام «إس-300». كما أنه ليس من الواضح كيف سيتم دمج إمكانات الدفاع الجوي السورية والروسية في نظام آلي واحد، على الرغم من ادّعاء شويغو بأن هذه العملية ستُستكمل بحلول 20 أكتوبر، وأخيراً، إذا لم تحصل سورية إلا على بطارية صاروخية واحدة من نوع «إس-300»- كما أُشيع- فإن عملية النقل ستكون أكثر رمزيةً من كونها فاعلية.

وبالتالي، وبالرغم من جميع المشاكل التي قد تحدثها صواريخ «إس- 300»، فإن نشرها لن يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة، وطالما بقيت الولايات المتحدة في سورية وتعمل على ردع إيران، كما قرّرت إدارة ترامب لحسن الحظ، فقد لا تحظى موسكو بالضرورة بالميزة الإقليمية التي تسعى إليها، ومن المفارقات أن قرار موسكو قد يؤدي إلى إضعاف المكانة ذاتها التي كانت تعتزم روسيا تعزيزها.

رغم الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا من المرجح أن تكون المعركة على إدلب في سورية مشتركة وقد تحدث قريباً

إذا لم تحصل سورية إلا على بطارية صاروخية واحدة من «إس - 300» فإن عملية النقل ستكون رمزيةً أكثر منها فعلية
back to top