نحتاج جميعاً إلى الضغط النفسي!

نشر في 20-10-2018
آخر تحديث 20-10-2018 | 00:00
No Image Caption
ماذا لو تمكنتَ من تخفيف مخاطر ضعف الذاكرة، وزيادة ثقتك بنفسك، وتحسين قدرتك على التكلم في المناسبات العامة، ورفع إنتاجية دماغك، وتخفيف ألم ظهرك، وأخذ المبادرات الجريئة، وزيادة مرونة أولادك؟
ماذا لو شملت الخطة الفاعلة التمسك بالعامل الذي نسعى جميعاً إلى الابتعاد عنه: الضغط النفسي؟
لكل مفهوم وجهان! لكن لنفكر بالموضوع مثلما فعل الطبيب النفسي الإيرلندي إيان روبرتسون الذي كتب The Stress Test:How Pressure Can Make You Stronger and Sharper (اختبار الإجهاد: كيف يزيد الضغط قوتك وذكاءك) ودرس هذا الموضوع على نطاق واسع. ربما سمعتَ ايضاً اقتباسات من كلام الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه حين قال: «ما لا يقتلك يزيدك قوة»!
يعترف روبرتسون بأن هذا التصريح لطالما أثار فضوله. كما أنه يحب اقتباس كلام لاعب الغولف تايغر وودز: «لطالما قلتُ إن اليوم الذي لا أشعر فيه بالتوتر أثناء اللعب سيكون يوم تقاعدي».

لا يمكن اعتبار الضغط النفسي الذي يسبق بطولة الغولف مسألة حياة أو موت، لكنّ منطق التفكير مشابه.

يقول روبرتسون الذي يمضي جزءاً من سنته في جامعة تكساس في معهد دالاس والجزء الآخر في إيرلندا بما أنه عالِم مميز في «مركز الصحة الدماغية»: «يعرف جميع المغنين والموسيقيين والرياضيين أنهم يحتاجون إلى ذلك الاندفاع. نحن من نقرر اعتبار الوضع فرصة أم مصدراً للضغط النفسي».

لنفكر بالموضوع: قد يشير خفقان القلب وجفاف الفم وتعرّق البشرة واضطراب المعدة إلى القلق أو الحماسة أو الخوف أو الغضب أو الانجذاب الجنسي. يوضح روبرتسون: «لن نعرف طبيعة العاطفة التي تنتابنا إلا إذا فسّرنا أعراض الاندفاع غير المحددة في سياقها».

باختصار، إذا كنت توشك على تقديم عرض أو حضور صف جديد أو مواجهة تحدٍّ مختلف، لا تقل «أنا قلق» بل قل بصوت مرتفع «أشعر بالحماسة»! هذا ما ينقل الدماغ من عقلية التهرّب إلى عقلية التحدي.

يقظة وفاعلية

قال روبرتسون في مقابلة مع برنامج «شؤون الدماغ»، مركز لمنشورات الصحة الدماغية: «يقوم الضغط النفسي المعتدل، أي النوع الذي يمكن التحكم به بالشكل المناسب، بزيادة مستوى اليقظة، ما يزيد فاعلية عمل الدوائر الدماغية».

لكنه لا يعني بكلامه طبعاً «الضغط النفسي الحاد والمطوّل»، بل يتحدث عن النوع الراسخ في حياة البشر مثل مشاكل العمل والعلاقات، والانتكاسات الاجتماعية، والقلق بسبب الوضع المادي، وتجربة النشاطات الجديدة. تعرّض صديق روبرتسون المقرّب للدهس من حافلة حين كان يقود دراجته الهوائية. كلّفه ذلك الحادث ذراعه اليمنى وتحطمت ركبتاه وكاد يخسر حياته.

يتذكر روبرتسون تلك الحادثة قائلاً: «حين استيقظ في الصباح الذي تلا خضوعه للجراحة، كنتُ قد جئتُ إليه من دبلن ووجدتُ نفسي أضع رأسي على جبينه وأقول له: «ما لا يقتلنا يزيدنا قوة»!

يقول روبرتسون إن ذلك الموقف لم يكن «محضّراً مسبقاً». لكن قال له صديقه لاحقاً إنه شعر بأنّ شحنة كهربائية مرّت في دماغه وصعقته: «بالكاد كان واعياً. أتذكر أنه كان يحاول النهوض بصعوبة شديدة وبالكاد كان رأسه يرتفع عن الوسادة لكنه قال «سأتغلب على هذا الوضع»».

استأنف صديقه الآن ركوب الدراجة لمسافات طويلة. يشدد روبرتسون على أن صديقه لا يدين له بالرحلة المدهشة التي عاشها لاستعادة صحته، لكن دفعته تلك المرحلة (فضلاً عن طبيعته التفاؤلية وأبحاثه الموسّعة عن أضرار الدماغ ومسار إعادة التأهيل) إلى كتابة أحدث كتاب له: «قد تبدو هذه المعلومة غريبة، لكن يحتاج الدماغ إلى خوض التحديات كي يتحسن».

يتحدث روبرتسون عن دراسة شملت أشخاصاً كانوا في السبعينيات من عمرهم وبدأوا يختبرون أعراض ضعف الذاكرة. بعد سنتين، كشفت الفحوص عن تراجع حاد في ذاكرتهم، باستثناء مجموعة واحدة: «إنهم الأشخاص الذين واجهوا حدثاً عصيباً أو حدثين أو ثلاثة أحداث مماثلة في حياتهم خلال تلك الفترة».

أضاف روبرتسون: «يسبّب الضغط النفسي الحاد خللاً في الذاكرة طبعاً. لكن في تلك المجموعة، ساهمت عوامل الضغط النفسي المعتدل في الحفاظ على الوظيفة المعرفية. لذا لم يسجّل هؤلاء الأشخاص أي تراجع طوال سنتين».

أوضح فرضيّته قائلاً: «إذا كنت فوق عمر السبعين ولم تكن تتحرك كثيراً، ستصبح الأحداث في حياتك متوقعة وروتينية ولن تعيش أي تحديات. لكن إذا أصيب الشريك بجلطة دماغية، ستواجه تحدياً هائلاً، رغم فظاعة الموقف، وستضطر إلى حل مجموعة كاملة من المشاكل الجديدة».

في هذه الظروف، سيُطلَب من دماغك أن ينتج كمية إضافية من ناقلات النوربينفرين العصبية: «إنها مادة كيماوية تنتشر في دماغنا حين تقع أحداث غير متوقعة وتضطر إلى الانفتاح على جميع الاحتمالات، بما في ذلك الاحتمالات المرعبة والإيجابية. تنتشر تلك المادة إذا أرعبنا شخص معيّن أو قال كلاماً غير متوقع. يتزعزع دماغنا بهذه الطريقة ويخرج عن صمته. قد يصبح الضغط النفسي تحدياً يستطيع إغناء الدماغ بطريقة مدهشة».

يجب أن يفهم الأهالي هذه الحقيقة. قد نرغب في حماية أولادنا من ضغوط الحياة، لكننا لا نقدم لهم أي خدمة بهذه الطريقة.

«يصبح الأولاد أو المراهقون الذين يواجهون مشاكل ضئيلة أو معدومة أو يشعرون بضغط نفسي محدود أو شبه غائب ضعفاء من الناحية العاطفية وأكثر ميلاً إلى الاكتئاب ولا يستمتعون بالحياة. لوحظ أيضاً أن الأشخاص الذين لا يواجهون المشاكل وأولئك الذين يختبرون مشاكل هائلة يسجّلون المستويات نفسها من الاضطراب العاطفي في مرحلة لاحقة من حياتهم».

كل من يواجه ضغطاً نفسياً معتدلاً يصبح قوياً من الناحية العاطفية. يعطي روبرتسون مثالاً عن الشباب الذين يعملون في مكان يتعرضون فيه للمضايقة أو السخرية من زملائهم: «سيدرك هؤلاء الأشخاص أن الشعور بالإهانة أو الفشل أو عدم نيل إعجاب الناس أو العجز عن جذب انتباههم ليس نهاية العالم».

قد تبدو هذه الفكرة جنونية لكن يمكن أن ترتبط طريقة تعامل الراشدين مع ألم الظهر بالضغط النفسي الذي اختبروه أو لم يختبروه خلال طفولتهم. كل من واجه نسبة ضئيلة أو معدومة من الضغط النفسي يصبح أكثر عرضة لوقف العمل أو أخذ مسكنات الألم أو اضطراب وظائفه بسبب ألم الظهر. وكل من واجه ضغطاً نفسياً معتدلاً يأخذ جرعات أقل من مسكنات الألم ويصبح أقل ميلاً إلى وقف العمل على المدى الطويل أو التعرّض لإعاقة بسبب ألم الظهر.

ما العمل إذاً لزيادة الضغط النفسي إلى حدّه المثالي؟ قد تكون العملية سهلة بقدر التنفّس!

يقول روبرتسون: «أوصي الناس بالشهيق والزفير ببطء خمس مرات. ثم أسألهم: «هل تشعرون بأي فرق؟ يجيبون بالإيجاب في 90% من الحالات. فأقول لهم إنهم غيّروا للتو الكيمياء في دماغهم».

يعتبر روبرتسون أن التأثير في تلك الكيمياء يساهم في بناء الثقة بالنفس ويُرسّخ الثقة بقدرتنا على فرض سيطرتنا.

خطوات فاعلة

هناك بعض الخطوات الأخرى الفاعلة نستعرضها فيما يلي:

• حدّد أهدافك بنفسك: يجب ألا تكون سهلة ولا صعبة أكثر من اللزوم. يبرع الأشخاص الناجحون الذين يظنون أنهم يسيطرون على عقولهم في تحديد أهداف معتدلة. قد يكون الهدف بسيطاً ويقتصر على الخروج من المنزل والتجول في الشارع. يجب أن يطرح النشاط تحدياً معيناً ويُشعِرك بأنك تحقق إنجازاً.

قف باستقامة: حين تشعر بالكآبة والإحباط، يتشنّج جسمك. إذا تبنّيتَ وضعية توحي بالهزيمة أو القلق، سينتج دماغك حالة داخلية تتماشى مع ذلك الوضع. لذا قف باستقامة وتظاهر بالقوة إلى أن تنجح. اخدع دماغك كي ينتج العواطف التي تريدها.

• اضغط بنعومة على يدك اليمنى: تقع شبكة الترقب والتحرك في الدماغ داخل الفص الجبهي الأيسر. يكون النصف الدماغي الأيمن أكثر نشاطاً ويعيق الجزء الدماغي الذي يحدد الأهداف إذا كنت تشعر بالكآبة أو القلق. لتنشيط الفص الجبهي الأيسر في الدماغ، اضغط على يدك اليمنى طوال 45 ثانية ثم أرخِها طوال 15 ثانية. بالإضافة إلى تحديد الوضعية الصحيحة والتنفس ووضع الأهداف، ستزيد التغيرات المرتبطة بتبني عقلية التحدي بدل الاستسلام».

• فكّر بالمواقف العصيبة التي ستواجهها في الشهر المقبل (محادثة صعبة مع شريك أو تقديم عرض مهم...). تخيّل الموقف الذي اخترتَه واسمع صوتك. ضع نفسك في تلك الأجواء لدرجة أن يخفق قلبك وتتشنّج معدتك. اشعر بتلك الأحاسيس وابدأ بالتدرّب على هذه التقنيات. تدرّب عليها في موقف خيالي كي لا تضطر إلى إطلاق المحاولات على أرض الواقع وتحدّد طريقة التعامل مع الوضع في تلك اللحظة. سرعان ما تصبح هذه الممارسة عادة راسخة فيك.

* ليسلي باركر

إذا كنت توشك أن تقدم عرضاً أو أن تواجه تحدياً مختلفاً فلا تقل «أنا قلق» بل قل بصوت مرتفع «أشعر بالحماسة»!

الأولاد الذين يواجهون مشاكل ضئيلة أو يشعرون بضغط نفسي محدود يصبحون ضعفاء عاطفياً
back to top