الانغلاق لا يفتح الآفاق!

نشر في 17-10-2018
آخر تحديث 17-10-2018 | 00:15
No Image Caption
لا أحد يستطيع أن يتسلق ظهرك إلا إذا كنت منحنياً... مقولة يبدو أن طائفة من النواب أدركتها جيداً حينما رأت ظهر الحكومة منحنياً أمامها مرات ومرات، فتسلقت ظهرها وتمادت في هذا التسلق، والخاسر في كل مرة هو الشعب، وحرياته الشخصية التي عودتنا الحكومة أن تضحي بها بثمن بخس، وأحياناً بلا ثمن على الإطلاق، في وقت بُحَّ صوت "الجريدة"، ومعها كل غيور على مستقبل الوطن، في التحذير من الاقتراب من تلك الحريات، وتأكيد أننا نعيش في مجتمع مدني يحكمه الدستور والقانون، ولكن لا حياة لمن تنادي.

قد نتفهم أن تخضع الحكومة لابتزاز نواب يناصرونها أو تجدهم في صفوفها عندما تحتاج إليهم - مع أن هذا ليس عذراً - لكن أن تخضع، أمام مرأى ومسمع الجميع، لابتزاز من لا ترجو نفعه ومن لم يقف معها مرة واحدة، وعلى حساب حريات الناس وحياتهم، فهذا ما لا نجد له مبرراً من حق أو منطق.

ومن العجيب أن لدينا نواباً يجروننا عقوداً إلى الوراء بادعاء الخوف على عقيدة الناس وأخلاقهم، منصّبين أنفسهم ملائكة فوق البشر، يرشدونهم إلى الطريق القويم، حتى كأننا، وفقاً لما يوحيه كلامهم، نعيش بمجتمع يرتع في الموبقات بلا رادع من ضمير أو وازع من أخلاق.

هذا الصنف من النواب لا يفتأ يبحث في كل وقت وحين عما يُضيِّق به الحريات الشخصية، فتارةً ينادون بمنع كتب كثيرة من معرض الكتاب، فتستجيب الحكومة وتمنع ما لذ وطاب لشهوة المنع، أو ما لم يلذ ويطب لذائقتهم وأهوائهم ومقاييسهم التي تؤشر دائماً إلى الوراء، وتارةً أخرى يرفضون "مبادرة قرع جرس البورصة للمساواة بين الجنسين" وتستجيب الحكومة فتتحول هذه الاحتفالية إلى مجرد مؤتمر صحافي، وثالثةً يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بسبب ما لم يرضوه من حفلات غنائية مصاحبة لمهرجان "عدسة" في حديقة الشهيد، وأيضاً تستجيب الحكومة... ورابعةً يثيرون زوبعة ما وصفوه بـ"محل الأصنام" للمجسمات الثلاثية الأبعاد، فيُهيّأ لمن يسمع بذلك أن الكويت أعادت الأصنام إلى جزيرة العرب، وخامسةً يريدون منع الاختلاط وتقييد حريات الناس الشخصية في المعاهد الصحية... فإلى أين وصلنا مع هذه الشاكلة من النواب؟ وإلى أي حد بلغ التجاهل لمشاكل البلد الحقيقية؟ وكيف لا تملك الحكومة أمامهم إلا أن تقول "سمعنا وأطعنا"؟

على الحكومة أن تعلم أن خضوعها لمثل تلك المحاولات الرجعية ليس خطراً عليها فحسب، ولا على الأجيال الحالية فقط، إنما يعطي صورة لعجز بلادنا عن التوجه إلى الأمام لتكون مركزاً مالياً واقتصادياً عالمياً، فكيف سيكون شكل الكويت إذا رأى المستثمرون سلطتنا التنفيذية تتجه إلى إغلاق البلد، وإصدار قرارات تصب في خانة المنع والغلق ونبذ الآخر وعدم الاختلاط، في انقلاب صريح على الحياة المدنية، التي هي شرط أساسي من شروط استقطاب الاستثمارات العالمية؟!

وفي وقت تتوجه البلاد إلى مشروعات عملاقة، كالجزر وطريق الحرير وغيرهما من المشروعات المهمة التي تخطط لدخولها، على الحكومة كذلك أن تدرك أن الانغلاق لا يفتح الآفاق، وأن خضوعها، أو حتى سكوتها عن محاولات النيل من المجتمع المدني، إنما يمثل رسالة واضحة إلى كل من يفكر في الاستثمار في الكويت بألا يأتي أحد، لأن مجتمعنا ليس مع الحريات ولا مع الانفتاح، ولا يعنيه تلك الخطة الطموحة التي رسمت ملامح الكويت عام 2035، ولا يتفهم ما رسمه سمو أمير البلاد لجعل الكويت مركزاً مالياً وعالمياً... هذا بلاغ تحذيري لما ينتظر البلاد من جراء هذه الممارسات السلبية، وقد أعذر من أنذر.

الجريدة

back to top