كيف نكسب المعركة ضد داء السل؟

نشر في 17-10-2018
آخر تحديث 17-10-2018 | 00:00
القضاء على داء السل هدف يمكن تحقيقه، والاجتماع الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان بمثابة نقطة تحول مهمة في الحرب التي يشنها العالم ضد هذا المرض، ولكن رغم إعلان الالتزامات، وتوقيع الإعلانات، ينبغي علينا أن نتذكر، أن المعركة في إفريقيا بعيدة عن الانتهاء.
 بروجيكت سنديكيت استفاق العالم فجأة على التهديد الذي يشكله أحد أكثر أمراض العصر تجاهلا في العالم، حيث عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، أول اجتماع رفيع المستوى على الإطلاق بشأن مرض السل، من أجل دراسة مقترحات تتعلق بالجهود الدولية لاستئصال هذا المرض، ورغم أن هذا الاهتمام العالمي الجديد مرحب به، فحقيقة الأمر أن رحلة التغلب على مرض السل تنطلق من إفريقيا.

وببساطة يبقى داء السل أحد أكثر الأوبئة فَتكا في إفريقيا اليوم، كما أن ربع نسبة القتلى بسبب هذا الوباء يعيشون هناك، وفي عام 2016 لقي 417000 شخص حتفهم بسبب هذا المرض، ويمكن لسلالة داء السل المقاومة للأدوية، وسلالة أخرى مقاومة لأكثر الأدوية فعالية في مقاومة مرض السل، اللتين انتشرتا في الآونة الأخيرة في كل من جنوب إفريقيا والموزمبيق وغانا أن ترفعا من حصيلة القتلى السنوية لداء السل، ومع ظهور هذه الأكياس الجرثومية، التي أصبحت الآن منيعة ضد مضادات الميكروبات، أصبح تحدي القضاء على هذا الداء على مستوى العالم أصعب بكثير.

إن أحد الأسباب وراء مقاومة داء السل للأدوية هو هشاشة الأشخاص الذين يصابون به، أولا، مرض السل من بين العوامل الرئيسة التي تتسبب في موت المصابين بمرض فقدان المناعة المكتسبة، إذ يؤدي إلى وفاة ما يقارب 40% من المصابين بهذا المرض، ويشكل هذا خطرا على من هم غير مصابين بمرض فقدان المناعة المكتسبة أيضا، خصوصاً ذوي المناعة المثبطة مثل الأطفال والرضع.

كما أن استئصال المرض أمر صعب أيضا لأن عدوى مرض السل تنتقل سريعا عبر الهواء، وأكثر من يصاب بهذا المرض هم الأشخاص الذين يعيشون ويشتغلون على مقربة من بعضهم، لا سيما عمال المناجم والسجناء والمهاجرين واللاجئين. وأخيرا، نظرا لأن انتشار مرض السل مرتبط بشكل وثيق بالفقر والتهميش الاجتماعي، فالوصول إلى من هم أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض ليس دائما بالأمر السهل.

إن الأمراض المعدية ليس لها حدود، وبما أن الدول الإفريقية تعزز علاقاتها التجارية، فضلا عن تنامي الهجرة داخل إفريقيا، فسيزداد خطر انتشار الأمراض المعدية على المستوى الإقليمي، وهذا يزيد من أهمية شروع إفريقيا في وضع برنامج متعدد القطاعات ومندمج، بغية احتواء المشاكل المتعلقة بالصحة العامة والسيطرة والقضاء عليها في آخر المطاف، لاسيما مرض السل.

ولبلوغ هذا الهدف، هناك برنامج واحد يمكن للحكومات الإفريقية اعتماده، وهو استراتيجية إدارة مرض السل القائمة في قطاع التعدين للقارة، وهو برنامج مشترك بين الوكالات، ابتكرته مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية عام 2014، ورغم أن هذا البرنامج الذي أطلق عليه اسم السياسة "المنسقة"، يهتم بالصناعة التجارية، فإن تركيزه على التنسيق مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية- دول الاتحاد الإفريقي المجتمعة من أجل الاندماج الاقتصادي- يمكن أن يكون بمثابة نموذج لعمل مشترك أكثر نجاعة في احتواء مرض السل.

ولكن قبل الاتفاق على إطار عمل معين، يجب الانتباه إلى ثلاثة قضايا مُلِحَّة: أولا، يجب على المسؤولين عن التخطيط في مجال العناية الصحية، واختصاصيي الأمراض في إفريقيا، تحديد أهداف احتواء المرض على المستوى القومي والإقليمي والمحلي. وعلى سبيل المثال، سيُمَكِّن تحديد أهداف التقليل من الإصابات الجديدة بمرض السل، المسؤولين في مجال الصحة، من قياس مدى تأثير استراتيجياتهم بطريقة أكثر دقة.

وفضلا عن هذا، من أجل القضاء على داء السل بصفة نهائية، ستحتاج إفريقيا إلى التزامات مالية جديدة من جانب القطاعين العام والخاص. وأخيرا، ينبغي أن توضع الاستراتيجيات لتَدعَم الأوليات في مجال الاقتصاد والرعاية الصحية للمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وفي الوقت الراهن تفتقر معظم أنظمة الرعاية الصحية الحكومية والإقليمية للتمويل والموارد البشرية. وبالتالي، ينبغي على صناع القرارات السياسية في إفريقيا وضع أنظمة للوقاية، والتشخيص، والعناية من شأنها أن تساعد الحكومات في تقاسم عبء المرض، وضمان تناسق أنظمة العلاج في كل المناطق المعنية.

ومن المؤكد أن هناك بعض التوجهات الإيجابية فيما يتعلق بمكافحة مرض السل، حيث ينخفض معدل الإصابات بهذا المرض على مستوى العالم كل عام بنسبة تقارب 2%، وحتى الدول الإفريقية التي ينتشر فيها المرض تمكنت من تقليص معدل الإصابات بنسبة 4% من 2013 إلى 2017، ومع شروع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الإفريقي بوضع خرائط طريق لاستئصال مرض السل، يتبين بوضوح أن هناك استعداداً ثابتاً لبلوغ هذا الهدف.

ومع ذلك تقتضي استدامة هذا التقدم في إفريقيا تنسيقا إقليميا مهما، دون ذكر الكثير من الأموال، ومعظم اللقاحات والأدوية باهظة الثمن بالنسبة إلى أغلبية مواطني إفريقيا، وحتى من حالفهم الحظ في تلقي العلاج- عادة ستة إلى ثمانية أشهر من المعالجة بواسطة المضادات الحيوية القوية- معرضون لخطر الإصابة بالمرض نفسه من جديد بنسبة 20%.

إن القضاء على داء السل هدف يمكن تحقيقه، وكان الاجتماع الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة نقطة تحول مهمة في الحرب التي يشنها العالم ضد هذا المرض، ولكن رغم إعلان الالتزامات، وتوقيع الإعلانات، ينبغي علينا أن نتذكر، أن المعركة في إفريقيا بعيدة عن الانتهاء.

* إبراهيم أسان ماياكي

* رئيس وزراء نيجيريا الأسبق، والمدير التنفيذي للشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

تحتاج إفريقيا في هذه المعركة إلى التزامات مالية جديدة من جانب القطاعين العام والخاص

في عام 2016 لقي 417 ألف شخص حتفهم بسبب مرض السل
back to top