كيف سيتعامل سوق الطاقة مع مقاطعة النفط الإيراني؟

نشر في 16-10-2018
آخر تحديث 16-10-2018 | 00:00
No Image Caption
بداية من الرابع من نوفمبر المقبل، يبدأ سريان العقوبات الأميركية النفطية على صادرات النفط الإيراني، فهل ستنجح تلك العقوبات في تحجيم صادراتها من الخام أم ان الأمور قد تسير على عكس ما تشتهي الولايات المتحدة؟
«الجريدة» استطلعت آراء بعض المختصين في الشؤون النفطية في التحقيق التالي:
في البداية، قال الخبير النفطي محمد الشطي، إن "قرار الولايات المتحدة الأميركية تفعيل الحظر على مبيعات النفط من إيران إلى مختلف الأسواق في مناحي العالم سيبدأ مع مطلع الشهر المقبل، والأرقام الخاصة بعمليات الحظر لن تكون جاهزة قبل منتصف ديسمبر، لتقديرها والتعرف على حجمها وحجم تأثيرها على أسواق النفط".

وأضاف ان "انتاج جمهورية ايران من النفط انخفض من متوسط 3.8 ملايين برميل يوميا في أغسطس 2018 ليصل إلى 3.4 ملايين يوميا في سبتمبر 2018، أي انخفاض بمقدار 400 ألف برميل يوميا، حيث خفضت بعض الشركات وارداتها من النفط الخام من إيران، وتقدر بعض مصادر السوق ان صادرات إيران انخفضت من 1.9 مليون برميل يومياً في اغسطس 2018 إلى 1.7 مليون برميل يوميا في سبتمبر 2018، أي بانخفاض قدره 200 الف برميل يوميا، وجاء الانخفاض من عدة جهات: الصين واليابان والهند وأوروبا.

وأشار إلى أن الخفض سيرتفع خلال الأشهر القادمة، والتوقعات تتأرجح ما بين 650- 1500 الف برميل يوميا، و"قد نشهد التزاما اكبر بالحظر الاميركي من قبل كل الشركات النفطية"، لافتا إلى أن هناك حديثا في السوق حول قيام بعض الدول بطلب الحصول على إعفاء وقتي من قبل الإدارة الأميركية، وربما لن تضمن أي اعفاء لأي دولة، وبالتالي سيكون هناك التزام كبير بالحظر المفروض، على ان تتم تغطية أي نقص في اسواق النفط عن طريق رفع الإنتاج من قبل المنتجين.

وقال "كانت هناك عدة تصريحات تؤكد هذا الاتجاه، واعطت للاسواق الأريحية، التي أسهمت في ضمان اريحية في اسواق النفط، اثمر عنها هبوط في أسعار النفط، وان كانت الأسباب تعكس عدة امور إلا أداء البورصة في أميركا، التي شهدت انخفاضا، بالإضافة إلى ارتفاع المخزون النفطي الأميركي؛ كما يتوقع على نطاق واسع ان الإدارة الأميركية ستبيع جزءاً من المخزون الاستراتيجي الأميركي في السوق متى ما دعت الحاجة للتخفيف من حدة ارتفاع الأسواق".

مخاوف في السوق

وأضاف الشطي إن "جهود أسواق النفط تنصب على رفع المعروض، مما يرشح معدلات اسعار النفط لتبقى ضمن 75- 85 دولارا للبرميل خلال الأشهر القادمة".

ولفت إلى أن هناك مخاوف في السوق من ارتفاع انخفاض انتاج النفط الإيراني مع عدم قدرة المنتجين على التعويض، وهنا الأسعار مرشحة لترتفع عن معدلات 85 دولارا للبرميل لنفط خام برنت.

وقال "تتوقع بعض تقديرات الصناعة بأن روسيا احد المنتجين المستفيدين، وسترفع إنتاجها من معدل 11.3 مليون برميل يوميا خلال سبتمبر 2018 إلى 11.8 مليون برميل يوميا خلال 2020 على الأقل، ويمكن ان يرتفع الى 12.1 مليون برميل يوميا خلال 2020".

عدم الالتزام

من ناحيته، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني، إن "القدرة الإنتاجية للنفط الإيراني وصلت في 2017 و2018 الى 4 ملايين برميل يوميا، حيث تستغل إيران للاستهلاك المحلي 40 في المئة من الإنتاج والباقي للتصدير"، لافتا إلى أن أكبر المستوردين للنفط الإيراني الصين، والهند، وأوروبا، حيث تستورد 500 - 600 ألف برميل يوميا، والـ600 ألف برميل الباقية تصدر الى تركيا واليابان وكوريا الجنوبية تايوان ودول اخرى، وبعد خروج الشركات الأوروبية من الاستثمار الاستكشافي دخلت شركات صينية مكانها بالعقود الباي باك (Buy Back) ببنود محفزة وعقود شراء مضمونة.

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة كانت راهنت على الوصول الى اتفاق خلال المفاوضات التجارية مع الصين، ومن ثم انضباط الصين مع قرار مقاطعة إيران النفطية، إلا أن تعثر المفاوضات قد يؤدي إلى عدم التزام الصين بتلك المقاطعة".

وأوضح بهبهاني أن قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات المقاطعة الاقتصادية على إيران، ومن أهمها تصدير النفط بنحو 2.4 مليون برميل يوميا وهو ليس ذا أهمية في انعكاساته على ايران فقط، بل سيشمل دول آسيا الكبرى كالصين، والهند، وروسيا، ودول اوروبا.

انهيار الأسواق المالية

وقال حين يصرح الرئيس الأميركي حول عدم استعداد الصين للحوار، فتنهار أسواق الأوراق المالية "لا أرى ذلك بمعزل عن قرار المقاطعة مع إيران وردات فعل الدول الصناعية والناشئة، لأن الشرخ حدث في قوى التحالف الاقتصادي الدولي، فمنذ أن قررت الولايات المتحدة العقوبات، كانت لإيران ردات فعل مؤثرة، منها التالي:

1. تم إبرام عقود طويلة الأجل مشابهة لعقود الغاز، في محافظ وخصومات مالية جذابة للبرميل قدمتها إيران لأهم الدول التي تشتري النفط الإيراني.

2. بيع النفط الخام والمنتج الإيراني بنظام المبادلة والعملات المحلية للدول المشترية، مما يعني فقدان اكثر من 200 مليار دولار من التداول سنويا، بغير عملة الدولار الأميركي، وهذا يشمل بيع وشراء النفط، وكذلك استثمارات إيران السيادية وتحولها إلى عملات اخرى!

3. شحن النفط الإيراني بواسطة ناقلات إيرانية، وضمان تأمين الحكومة الإيرانية، مما يعني تجميد شركات التأمين العالمية.

وقد لوحظت ناقلات النفط الإيرانية المعبئة حول جزيرة "خرج"، ثم خروجها من مضيق "هرمز" بتأخر بسيط، مما سجل انخفاضا في التصدير 300 ألف برميل بين يوليو وسبتمبر، والانخفاض ليس لطموح الولايات المتحدة.

4. بناء أنبوب تصدير من مصفاة "عيسلوي" المطل على الخليج العربي الى ميناء "إجاسك" المطل على خليج عمان، أي لا تمر الشحنات عن طريق مضيق هرمز، وهذا يعني عثرات قادمة للنقل عن طريق المضيق وزيادة التكاليف.

5. تقليص الاستهلاك المحلي للنفط الإيراني من 40% الى 20%.

أساسيات اقتصادية

وحول ردة فعل حول القرار الأميركي قال بهبهاني إن "الدول المستهلكة للنفط، بعد أن فقدت الثقة بالأساسيات الاقتصادية الضامنة، اتجهت إلى:

1. إنشاء تنظيمات بديلة التي منها "منظمة الدول المستهلكة للنفط" المنبثقة من منظمة "البريكس" لتتحاشى التدخلات الجيوسياسية في عمليات الإنتاج والتصدير للنفط.

2. مصافي القطاع الخاص التي انشئت في الصين بقدرة انتاجية 1 مليون برميل يوميا، ومصفاة في الهند، وكل هذه المصافي من القطاعات الخاصة التي لا تنضبط بالنظام المالي المتبع دوليا.

3. تفاوض دول الاتحاد الأوروبي مع ايران حول انشاء نظام مالي جديد "فاتف" (FATF) يتحاشى النظام الأميركي "سويفت" (swift)، مما يعني أن إيران تستطيع ان تنجز تعاملاتها خارج النظام المالي الأميركي.

واستنتج بهبهاني مما سبق ان مشروع مقاطعة النفط الإيراني وتصفيره فشل، وقد عبرت الولايات المتحدة عن هذا الفشل بتصريحات لوزير الخارجية الأميركي عندما عبر عن استعداد الولايات المتحدة باستثناء بعض الدول لشراء النفط الإيراني، واسواق النفط العالمية قرأت هذا التصريح على انه فشل في الاستحواذ على الموافقات الدولية.

واستنتج كذلك أن إصرار الولايات المتحدة على تطبيق العقوبات على ايران سيؤدي الى كوارث مالية في عملة الدولار، وانشاء تحالفات خارج اطار المنظومة العالمية المتعارفة!

وقال "في تصوري ان الصين ستكون الرابح الأكبر من ذلك، حيث عملتها "اليوان" ستكون المرشح البديل للدولار الأميركي في التعاملات المالية، وسوق النفط شنغهاي للعقود الطويلة الاجل سينتعش، وخسائر الحرب التجارية مع الولايات المتحدة سيعوضها التوجه الجديد لبيع وشراء والاستثمار، ليس في النفط الايراني فقط لكن حتى بمشاريع النفط الخليجية.

واختتم بالقول ان "سوق النفط الحالي متوازن بين العرض والطلب، واي اضافة من المنتجين (التي اشك انها ستكون من جانب دول اوبك) ستكون فائضا اضافيا في مستودعات طافية وفوق الأرض، ويعني ذلك عودة الفائض العالمي عن معدل 5 سنوات الذي عاند "اوبك" لإرجاعه إلى معدله المقبول".

قدرة التعويض

من جانبه، أكد نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة عربي القابضة حامد البسام أن الدول المستوردة للنفط الإيراني قادرة على تعويض حصة ايران، التي ستغيب عن الأسواق، إذا وجدت من يغطيها، منوها الى أن الدول التي تستطيع حاليا التعويض هي المملكة العربية السعودية، وروسيا لكونهما قادرتين على ذلك.

وأشار إلى أنه من الممكن الضغط على العراق لإنتاج المزيد لتعويض حصة ايران، لكنه اردف قائلا ان "ايران تسيطر على العراق، خصوصا من ناحية الحدود في منطقة الفاو، ومن الممكن ان يكون هناك تهريب نفطي كبير من ايران عبر الأراضي العراقية، حيث من الممكن أن يباع النفط الإيراني على انه نفط عراقي من خلال سفن تحمل العلم العراقي، وهناك ميليشيات كثيرة تابعة لإيران تعمل في الأراضي العراقية".

وذكر أن "على الولايات المتحدة الأميركية إذا كانت جادة في حصار ايران أن تفرض إجراءات مشددة على الحدود الإيرانية- العراقية، لإحكام السيطرة بشكل كامل على صادرات النفط الإيراني عند بدء تنفيذ العقوبات".

وأضاف "لا يمكن ان نغفل دور تركيا في بحثها عن مصالحها في استيراد النفط الإيراني بأسعار مخفضة، مما يقلل من اثر العقوبات، لكونها ترتبط بحدود مع ايران، ولكونها ايضا لها باع في شراء النفط من أماكن نفطية كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي (داعش)، الذي كان يحتل مناطق نفطية كثيرة من العراق وسورية، بأسعار مخفضة تبلغ 7 دولارات للبرميل، لولا اكتشاف روسيا ذلك، حيث قامت بضرب ناقلات نفطية كانت محملة بالنفط السوري ومتجهة إلى تركيا"؛ لافتا الى انه إذا لم يكن الحصار حازما فسيتم اختراقه بأي شكل من الأشكال.

المقاطعة لن تنجح... والدليل التصريحات الأميركية باستثناء بعض الدول لاستيراده محمد الشطي

الصين قد تخترق المقاطعة لفشل التفاهمات التجارية مع الولايات المتحدة عبدالسميع بهبهاني

إذا لم يكن الحصار حازما فسيتم اختراقه والتهريب خيار متاح حامد البسام
back to top