رياح وأوتاد: حرب «واتس والتويتراء»

نشر في 15-10-2018
آخر تحديث 15-10-2018 | 00:08
 أحمد يعقوب باقر يروى أن حرب داحس والغبراء استمرت سنوات طويلة في الجاهلية، وقتل فيها الكثير من أبناء العمومة لأنها اندلعت بين فرعين من قبيلة واحدة، حتى كاد أن يفني بعضهم بعضا، إلى أن تم الصلح على يد الحارث بن عوف وهرم بن سنان، وهما من سادات العرب، وقام الاثنان بدفع ديات جميع القتلى، وخلد زهير بن أبي سلمى ذلك القتل وهذا الصلح، في معلقته الشهيرة ومنها قوله:

تَدَارَكْتُـمَا عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا

تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ

واليوم نعيش حرباً شبيهة هي حرب "واتساب" و"التويتر" بين الأشقاء وأبناء العمومة، وكأن العجوز (منشم) قد عطرت الأجواء في الخليج بعطرها القاتل، فيوميا تشهر السيوف في "الواتساب" وتُشعل النار في "التويتر".

وليس كل الذين يشعلون النار في "التويتر" حسني النية وليس كل من يكذب ويقذف ويشتم في "الواتساب" يريد المصلحة العامة، فعندي قناعة أن بينهم مدفوعين ومرتزقة، ولكن يتابعهم ويتحمس وينشر لهم كثير من السذّج وحسني النية ويشارك فيها اليوم متنفذون وأمراء ونواب، وأيضاً هناك من يطالب بالمزيد من الحريات حتى تشتعل الحرب أكثر فأكثر، ويكاد الأمر يصل إلى الانهيار والتفاني.

انتهى الآن زمن الجاهلية الأولى فليس على سادات الخليج اليوم دفع الديات والنياق لوقف حرب "واتس والتويتراء"، ولكن يجب عليهم إيقاف هذه الحرب بإدراك أن المصلحة العامة للخليج بجميع دوله وشعوبه توجب وتقتضي ذلك، ومن الضرورة بمكان إعمال القوانين الرادعة قبل أن يتسع خرق السفينة ويغرق الجميع.

عندما كنت وزيراً للعدل وضعنا في اجتماعات مجلس التعاون عدة قوانين تسمى "القوانين الموحدة" لكثير من الأمور والقضايا القانونية، وبُذلت في هذه القوانين جهود فنية كبيرة، ولكن بعد الموافقة عليها تم وضعها في الرفوف كقوانين استرشادية.

يفترض الآن من سادات الخليج المعاصرين، خصوصا الذين لم تنقطع حتى الآن الصلة بينهم إخراج هذه الملفات وتطبيق القانون بحزم على كل من يبدي بذاءته أو يشهر سيفه أو يشعل نار الفتنة في هذه الحرب الجديدة، ولتتوحد في نظر هذه القضايا القوانين المتعلقة بها أمام محاكم خليجية موحدة أسوة بالمحكمة الأوروبية.

ولكن السؤال المهم الآن هو: هل عندنا الآن سادة معاصرون أمثال الحارث وهرم بن سنان؟

back to top