نتائج غير مؤكدة لحملة ترامب «الشاملة» ضد الصين

نشر في 14-10-2018
آخر تحديث 14-10-2018 | 00:04
No Image Caption
شنت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، حملة مباشرة على الصين على جميع الصعد، لم تخض واشنطن مثلها من قبل، إلا أن نتائجها غير مؤكدة.

ومن أبرز المواجهات في هذا السياق ما جرى في الأمم المتحدة، حين نظم غداء في سبتمبر كما في كل سنة بين الدول الخمس الدائمة العضوية، سادته "أجواء جليدية"، بحسب ما روى شاهد، مشيرا إلى "حملة هجاء فظيعة" من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضد الصين، و"مواجهة شاملة وكثيفة"، ورد بالقدر ذاته من "العنف" من نظيره الصيني وانغ يي.

واعتبرت هذه الانتقادات الشديدة خلال اجتماع تسوده اللباقة في غالب الأحيان، مؤشرا مسبقا على خطاب علني ألقاه نائب الرئيس مايك بنس في 4 أكتوبر.

وتضمن الهجوم غير المسبوق بشدته اتهامات عدة منها المنافسة التجارية غير النزيهة، والتوسع الدبلوماسي والعسكري، ولاسيما في بحر الصين الجنوبي، والانتهاكات المكثفة للحريات العامة ولحقوق الأقليات الدينية، وصولا إلى اتهام مدهش بالتدخل في الانتخابات الأميركية من أجل التخلص من ترامب.

وقالت الباحثة في معهد العلاقات الخارجية إليزابيث إيكونومي لفرانس برس "لم يسبق للصين أن تعرضت لحملة علنية بهذه الطريقة من قبل"، مشيرة إلى "هجوم مباشر في جميع الاتجاهات".

ولفتت إلى أن هذا النهج "جديد"، لأن واشنطن "باتت تطرح صراحة على الطاولة كل التحديات الصينية التي تواجهها الولايات المتحدة والدول الأوروبية".

ورأى الخبير في معهد بروكينغز راين هاس المسؤول في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن الإدارة الجمهورية "اختارت اتباع مسار مختلف عن الحكومات السابقة، مركزة على الضغوط العلنية على حساب الدبلوماسية".

وتترافق هذه الحملة الكلامية مع أفعال، إذ شن ترامب حربا تجارية حقيقية على وقع رسوم جمركية مشددة على 250 مليار دولار من الصادرات الصينية، وتهديدات بفرض رسوم إضافية على المزيد من المنتجات.

كما توعد ترامب بتدابير أخرى مثل التشديد على عمليات نقل التكنولوجيا النووية المدنية لمنع "تحويرها" من أجل "أهداف عسكرية".

وكثيرا ما حرصت الولايات المتحدة، منذ التقارب الذي باشره ريتشارد نيكسون عام 1972 مع الصين في عهد ماو، على إبقاء الحوار مفتوحا، على أمل أن انفتاحا اقتصاديا أكبر سيؤدي إلى المزيد من الانفتاح الدبلوماسي والسياسي، غير أن خيار اختبار القوة يكسب تأييداً متزايداً داخل الإدارة الحالية.

وقالت إليزابيث إيكونومي "هناك إحساس عام في واشنطن بأن الصين واقتصادها أهم من أن يُسمح لهما بالاستمرار في انتهاك كل القواعد الدولية"، لاسيما أن الرئيس الصيني شي جينبينغ "يحمل بلدا مختلفا تماما إلى الساحة الدولية، مع سياسة خارجية أكثر طموحا وتوسعية بكثير".

وإلى الخلاف حول بحر الصين الجنوبي، ثمة خطتان صينيتان تثيران المخاوف، هما "طرق الحرير الجديدة"، المشروع العملاق القاضي بإقامة بنى تحتية لربط العملاق الآسيوي بباقي العالم، وخطة "صنع في الصين 2025"، لجعل الصين رائدة على صعيد التكنولوجيا.

ورأى الأستاذ الجامعي المستقل هوا بو متحدثاً لوكالة فرانس برس، أن "الولايات المتحدة تخشى أن تنازعها الصين على زعامتها في العالم".

وهذه المبارزة بين القوتين الاقتصاديتين الكبريين تعيد العلاقات الدولية عقودا إلى الخلف برأي الجامعي.

وقال "ترامب يريد بوضوح خوض حرب باردة جديدة"، ويستخدم من أجل ذلك كل أدوات القوة الأميركية، يسخر كل ما لديه من أجل "الفوز بسباق مئة متر، في حين أن الصين تعتزم منازعة الولايات المتحدة في ماراثون".

وأضاف الخبير أن "الأوروبيين لا يبدون رغبة خاصة في اللحاق بحرب ترامب التجارية هذه، لأنهم لا يعتبرون أن الصين تمثل تهديدا جوهريا لأوروبا مثل الاتحاد السوفياتي سابقا".

لكن الواقع أن فرص الولايات المتحدة لتغيير الصين تبقى ضئيلة.

وقال راين هاس، في هذا الصدد، إن "إدارة ترامب تراهن على أن نهجها سيرغم بكين على التطور، لأنها تعتقد أن الصين حريصة على تفادي أي مواجهة".

لكنه لفت إلى أن الصينيين "قلما يرون مصلحة في الرضوخ لطلبات ترامب، سواء في التجارة أو في غيرها، لأن هذا لن يوجد تسوية لجذور الخصومة المتصاعدة، وهي الجهود الأميركية لاحتواء تصاعد نفوذ الصين".

ويبقى السؤال مطروحا عما تريده الولايات المتحدة فعلا.

وبدا الرئيس في الأساس على استعداد للاكتفاء بعرض من الصين يقضي بزيادة وارداتها من البضائع الأميركية لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري بين البلدين، وهو ما كان وعدا أساسيا في حملته الانتخابية.

لكن يبدو أن أوساطه أقنعته بتبني رؤية استراتيجية أكثر، تهدف إلى حمل الصين على تبديل سلوكها، وهو ما سيكون صعبا جدا، إن لم يكن مستحيلا.

غير أن هذا لا يستبعد، برأي إليزابيث إيكونومي، أن "يكتفي ترامب بنجاح محدود ليعلن انتصارا هائلا"، لاسيما أنه بحاجة إلى بكين في قضية نزع سلاح كوريا الشمالية النووي. وفي هذه الحالة، فإن التوتر سيتراجع.

back to top