ضمير النص/ ضمير الكاتب

نشر في 09-10-2018
آخر تحديث 09-10-2018 | 00:05
 ناصر الظفيري تعد الكتابة الشعرية غالبا، على العكس من الأجناس الأدبية الأخرى، تعبيرا مباشرا عن حالة الشاعر، نقيس من خلال نصه الأدبي حالته الخاصة، والتعبير المباشر عنها. فقصائد الحب والمدح والرثاء والهجاء، وغيرها من صنوف الشعر، يتطابق فيها ضمير النص وضمير الكاتب.

فالشعر تعبير أدبي نستطيع من خلاله قراءة رأي الشاعر، موقفه، مشاعره ووجهة نظره. هذا التطابق بين النص الشعري وشاعره يبدو مربكا جدا في العمل الروائي. فالتقارب الشديد بين النص الشعري والشاعر هو ليس ذاته دائما بين الروائي والنص الروائي.

النص الروائي، وتلك ميزته التي توحي باستمراره، لا يحمل دائما ضمير كاتبه، ولا يعبِّر بالضرورة عن حالته أو رؤيته الخاصة لجوانب الحياة. وكثيرا ما يخدعنا النص الروائي حين نعتقد أن كاتبه يتوارى خلف شخصية من شخصياته، وغالبا ما يكون ذلك اختيارنا نحن، والذي نستمده من معرفتنا الشخصية أو متابعتنا لسيرة الروائي.

النص الروائي يحتفي أحيانا بشخصيات متباينة تتبنى مواقف مختلفة، ولا تتفق في رؤيتها للحالة التي تناقشها الرواية. وقد يصل التنافر بين تلك الشخصيات لدرجة العداء، حتى يبدو موقف الكاتب مثيرا للجدل ونحن نبحث عن موقفه الحقيقي من ذلك الصراع.

النص الروائي الناجح هو الذي يحمل هموم شخصياته أكثر من هموم كاتبه، فهم في تباينهم وتضاد مواقفهم يمنحوننا الصورة الكاملة لموضوع الرواية. الأعمال التي جسَّدت وجهة نظر الكاتب وتطابق ضميره وضمير النص الروائي الذي يكتبه، الروايات السياسية بالذات، أصابها الزمن بالنسيان، واختفت من مكتبات ودور النشر التي اهتمت بها ذات يوم. في فترات سطوة "البعث" العراقي وقوته كُتبت مجموعة كبيرة من الروايات التي كانت تلقى رواجا حينها، وتجسِّد بطولات السيد الرئيس والقائد الضرورة، لكنها لم تعد متداولة الآن، بعد اجتثاث النظام وأدبياته. كذلك غاب هؤلاء الروائيون عن المشهد حين أصبح من الصعب الاستمرار في كتابة ذات الأعمال أو استبدال الضمير السابق بضمير جديد.

ما كان ينقص تلك الأعمال الروائية، التي تنظر للحياة السياسية والاجتماعية من زاوية واحدة، هو عدم اختلاف وتباين آراء شخصياتها ومواقفها. ذلك يجعل ضمير النص يتطابق مع ضمير الكاتب، ويفقد الرواية حقيقة نظرتها للواقع في اختلافاته وتباين وجهة نظر شخوصه.

حين كانت الرواية الشيوعية، رغم جمالياتها الفنية، تنظر من ثقب باب واحد، ولا تسمح لشخصية مخالفة تقديم وجهة نظر أخرى، كانت ملائمة للحياة الشيوعية حينها، ولم تعد كذلك بعد تغير العالم للقطب الواحد.

الروايات التي ستعيش معنا هي تلك التي قدمت لنا نماذج بشرية ابتعد الكاتب فيها عن الالتزام بموقف شخصيتها الرئيسة. وهي تلك الروايات التي صورت الشخصيات المتباينة بشكل دقيق دون أن تنتصر لشخصية على أخرى.

في كثير من الأحيان يرى الروائي أن عليه الحفاظ على نقاء شخصيته الأهم، وابتعادها عن كل شائبة حياتية يمكن أن تلوثها. وهو في الحقيقة يحاول أن يقدم لنا شخصيته هو ككاتب، لتتماثل والشخصية الروائية. يتساوى ذلك في الشخصية السياسية والشخصية الأخلاقية، وفي الحالتين لن يقدم لنا شخصية مقنعة.

back to top