بناء مجتمعات المهاجرين في زمن ترامب

نشر في 06-10-2018
آخر تحديث 06-10-2018 | 00:00
دونالد ترامب
دونالد ترامب
في شتاء سنة 2011 هبط شايام راي في مطار سيراكيوز هانكوك الدولي بعد رحلة استمرت 24 ساعة من كاتمندو في نيبال، وقد استقبله متطوع من مركز وادي موهوك للاجئين، وهي وكالة إعادة توطين محلية، ثم نقله إلى يوتيكا، وهي مدينة تصنيع سابقة عانت طوال سنوات تراجعا في عدد السكان بصورة ثابتة، ثم وجدت حياة جديدة من خلال عدد السكان المتزايد من اللاجئين الذين قرروا الاستقرار فيها.

ولكن عندما غادره المتطوع أصبح راي وحيداً في منزل مظلم وبارد، ولم تكن لديه أي فكرة عن كيفية إضاءة الأنوار أو أجهزة التدفئة، وبعد سبع سنوات بدأ راي العمل على مساعدة الآخرين في تعلم كيفية إدارة شؤون الحياة اليومية في مدينة يوتيكا التي أصبح نحو ربع عدد سكانها في الوقت الراهن من اللاجئين.

وكان راي أمضى 18 سنة في معسكر في نيبال، حيث أقام مع الآلاف من المتحدثين باللغة النيبالية على شكل وافدين بدون، بعد أن جردتهم بوتان من المواطنة ثم طردتهم في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولكن راي يملك اليوم شقة أنيقة في منزل يتشاطره مع أقاربه الذين تبعوه الى الولايات المتحدة.

ويقيم أبواه وإخوته وعماته وأعمامه وبعض الأطفال الذين ولدوا في الولايات المتحدة على مقربة من بعضهم، وطوال الأعوام الستة الماضية عمل راي لدى مصنع تشوباني المجاور لصناعة الألبان. والأكثر أهمية أنه حصل على الجنسية الأميركية في الوقت الذي بدأت فيه إدارة الرئيس ترامب إجراءات ضد اللاجئين إلى الولايات المتحدة.

وعندما أبلغ موظف وكالة إعادة التوطين شقيقته أنها، وهي في الثامنة عشرة من العمر، ليست مؤهلة للدراسة في مدرسة عامة، وأنها يجب أن تدرس بصورة غير منتظمة في دورة لغة توجه راي إلى مكتب المساعدة القانونية، وجهد بشدة لإضافة اسمها مثل واحدة من 6 مدعين في قضية أصبحت في نهاية المطاف قضية تمييز ضد المدينة، وانتهت تلك القضية أخيراً في شهر يوليو من عام 2016 بقرار يسمح للفتاة بالانتساب الى مدرسة ثانوية خلال السنة الدراسية 2017-2018.

مشكلة اللغة

لا تتقن زوجة راي ولا والده وأمه وثلاث من أخواته التحدث أو الكتابة بالإنكليزية لتجاوز مصاعب الحياة اليومية أو متطلبات الرعاية الصحية، ويتعين على الكثيرين من أفراد عائلته الذين يستطيعون العمل أن يكافحوا لمواجهة الآثار المادية لوجودهم لفترات طويلة في معسكر اللاجئين، كما أن أمه التي تعمل في الحصاد وجمع المحاصيل ونقل أعواد الخيزران من أجل بيعها الى اللاجئين في المعسكر قد أخبرتني قائلة «في الماضي كان هناك الكثير من العمل أما الآن فتوجد مشاكل في الركبة والمفاصل».

روايات نموذجية

القصص المماثلة لرواية راي تعتبر نموذجية بالنسبة الى اللاجئين في شتى أنحاء الولايات المتحدة، وفي أعقاب انتشار العداء والمتاعب استوعب اللاجئون بسرعة ميادين غياب الدعم الرسمي، كما تعلموا كيفية الاعتناء بأنفسهم وبالآخرين.

وفيما تمت إعادة توطين الكثير من المواطنين النيباليين في دول أوروبا الشمالية التي ترغم القادمين على اتباع برامج اللغة والثقافة بصورة إلزامية، كما توفر لهم المزيد من الخدمات الاجتماعية السخية وبقدر يفوق ما ينالونه في الولايات المتحدة، فقد أخبرني راي أن الحال في أميركا أفضل، حيث «أستطيع أن أكون مستقلاً وأن أقوم بأعمال خاصة بي».

اللاجئون الذين أعيد توطينهم بشكل رسمي في الولايات المتحدة يأتون بوضع قانوني ويحصل الكثير منهم على 90 يوماً من الخدمات الاجتماعية بغية توفير السكن والعمل والمنافع المؤقتة، ولكن يتعين عليهم تسديد ثمن القروض لتذاكر الطيران التي تلقوها من منظمة الهجرة الدولية.

ويوافق كل العلماء وخبراء إعادة التوطين بشكل تقريبي على أن اللاجئين والدول المضيفة يستفيدون بقدر أكبر من الموديلات الانتقالية الطويلة الأجل للاندماج مما هي الحال بالنسبة الى موديلات الدعم المؤقت المطبقة في الولايات المتحدة، وقد أقرت خمس دول هي المملكة المتحدة وإسبانيا والأرجنتين وأيرلندا ونيوزيلندا نسخة رائدة من موديل كفالة مجتمع كندا للاجئين الذي يضع اللاجئين ضمن إطار عمل يساعدهم على الاندماج في مساكنهم الجديدة خلال فترة طويلة.

وتعمل هذه الشبكات على ربط المهاجرين الجدد بفرص العمل وخدمات الدعم والآليات الأساسية مثل الإقراض والمنح وجمعيات المساعدة المتبادلة، ويساعد هذا بدوره المهاجرين في شراء منازل وإرسال أولادهم الى الجامعات وإقامة شركات تجارية.

وعلى الرغم من ذلك، يبدو من غير المحتمل أن يطبق مثل هذا الأسلوب في الولايات المتحدة ما دام دونالد ترامب في البيت الأبيض.

وكان الرئيس ترامب علق في وقت سابق إعادة توطين اللاجئين من دول معينة ذات أغلبية مسلمة، كما ألغى وضعية الحماية المؤقتة لأكثر من 300 ألف لاجئ من السودان وهايتي ونيكاراغوا والسلفادور ونيبال وهندوراس، وفصل الأطفال عن آبائهم على شكل جزء من سياسة تصفير قبول المهاجرين غير الشرعيين، ويقول أنصار حقوق المهاجرين إنهم أصبحوا الآن مستهدفين للإبعاد، وقد أطلق ترامب قوة خاصة لإسقاط الجنسية عن مواطنين متجنسين اشتملت طلبات لجوئهم على أخطاء أو تناقضات، وأعلن في الآونة الأخيرة أنه سيضع سقفاً لإعادة توطين اللاجئين عند 30 ألف شخص في العام المقبل– وهو أدنى سقف منذ بداية البرنامج في عام 1980، ولتتويج ذلك كله، قالت إدارة ترامب إنها تخطط لتضييق مدى الإقامة الدائمة أو الجنسية بالنسبة الى اللاجئين النظاميين الذين استخدموا المنافع العامة مثل الضمان الصحي للأطفال أو طوابع الغذاء.

ثمن الجهد والضغط

ثمة ثمن لهذا الجهد، فبين 2009 و2012 أقدم عدد من اللاجئين النيباليين في الولايات المتحدة على الانتحار على الرغم من أن تلك العمليات لم تحدث في يوتيكا، وقد ترددت أصداء عمليات الانتحار هذه في المجتمعات النيبالية في شتى أنحاء الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من ترحيب يوتيكا باللاجئين تراجع عدد اللاجئين اليها من نيبال خلال العام الماضي، وقد غادرها نحو 30 عائلة توجهت الى أوهايو، وخفضت بذلك عدد السكان النيباليين الى النصف.

وكان هدف هذا الانتقال هو الاستفادة من العيش في مجتمعات أكبر في سنسيناتي وكولومبس وكليفلاند.

ولا تستطيع شبكات المهاجرين القيام بكل الأعمال اللازمة طبعاً، وهي تعمل من وراء الستار خشية التعرض للاعتقال أو الإبعاد، ولذلك يعيش أفرادها في مجتمعات الظل ومهاجع متنقلة، ويتعين عليهم تسديد القروض الفاحشة والمرهقة، ولكن إذا كان في وسعنا التوقف عن إلحاق الضرر والمعاناة بمجتمعات المهاجرين والعمل بدلاً من ذلك على إقامة شراكة قابلة للحياة معهم، فقد يشكل ذلك أول خطوة نحو نظام شامل أكثر إنسانية، يهدف الى تحقيق عملية دمج طويلة الأجل للمهاجرين وطالبي اللجوء.

كيف يمكن أن يكون شكل هذا النظام؟ بالنسبة الى الوقت الراهن قد تكون تراكمات محاكم المهاجرين مسألة لا يمكن تفاديها، ولكن يمكننا جعلها أقل تكلفة وأكثر إنسانية من خلال توفير تأشيرات عمل مؤقتة الى المعرضين لخطر يهدد حياتهم إذا تم إبعادهم وليس بدفعهم نحو التشرد والفقر، وفي نيويورك حيث قوانين اللجوء أكثر سخاء من الولايات الأخرى يحق لطالبي اللجوء العمل إذا كانت قضيتهم معلقة أمام المحاكم لأكثر من 150 يوماً، ولكن فترة الانتظار الطويلة هذه ليست ضرورية.

شريحة المساعدات

وفيما يستفيد الشبان في مجتمعات المهاجرين من جوانب الدمج مثل دخول المدارس فإن اللاجئين الأكبر سناً يعانون العزلة في أغلب الأحيان، وقد يكون في استطاعة مراكز المجتمع ذات الحساسية الثقافية تخفيف هذا العبء، كما حدث في مراكز مجتمعات الهنود والصينيين القديمة. وعلى سبيل المثال شكلت المساجد دعماً مهماً بالنسبة الى اللاجئين السوريين، كما وفرت الكنائس أماكن سكن لطالبي اللجوء على أساس مؤقت، وقد يتمكن القادم الجديد المعرض للتشرد من إيجاد مكان مؤقت لإقامته مع مهاجر يتحدث لغته وعاداته.

وطوال القرن الماضي، أظهرت استطلاعات الرأي بصورة ثابتة معدلات عالية من معارضة العامة لقبول أعداد كبيرة من اللاجئين، وفي الوقت نفسه تشمل شريحة العامة في الولايات المتحدة مجتمعات كبيرة من المهاجرين لديها شبكات واسعة تستطيع دعم القادمين الجدد الذين لا تستطيع الحكومة– أو لا ترغب– القيام بهذا العمل، ويتعين أن تحصل هذه الشبكات على دعم وتمويل بدلاً من دفعها الى التفكك والسرية.

ومن جديد تظهر الدراسات أن المجتمعات ليست مصدراً للمرونة والدعم لأفرادها فقط، بل على شكل محرك للأنشطة الاقتصادية أيضاً، وبدلاً من العمل على إضعاف مجتمعات المهاجرين المختلطة يتعين على الولايات المتحدة تشجيع تلك المجتمعات على القيام بما كانت تقوم به: تقوية واستقرار بلادنا.

● كافيثا راجاغوبالان

back to top