الاتفاق النووي لم يكن عصاً سحريةً لروحاني

نشر في 05-10-2018
آخر تحديث 05-10-2018 | 00:00
 راديو فاردا حضر كلٌّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وسط مرحلة جديدة من التوتر بين البلدين في أعقاب الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، ولم تُعقَد أي اجتماعات ثنائية بين الجانبين، وإذا كان هنالك أي شيء، فقد ارتفعت نبرة الاتهامات المتبادَلة، وإذا كان صحيحاً أن الأمور لم تتدهور، فهي لم تتحسّن أيضاً.

وبالنسبة إلى الرئيس الإيراني، لم يؤدِ قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي إلى تدمير عدةَ سنواتٍ من الجهود الدبلوماسية فحسب، بل إلى تحطيم المصداقية السياسية الخاصة بروحاني داخل بلاده وخارجها أيضاً، ولا يمكن تصوّر النجاح في الدبلوماسية النووية دون المسعى الهائل الذي يبذله روحاني للمبالغة في تأثيراته المباشرة على تغيير الحياة في نظر الناس، بنيله تأييد خامنئي عبر تأكيداته حول جوهرية الاتفاق، وإعطائه المرشد الأعلى أملاً كاذباً بشأن التأثير التطوّري للاتفاق على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لمصلحة إيران.

وفي الوقت نفسه، لم يكن بالإمكان إتمام الاتفاق دون تصويره للنظراء الغربيين على أنه حل فريد لتطبيع إيران وتشجيع قيادتها على التخلي عن جدول أعمالها التوسّعي والمزعزع للاستقرار في السياسة الخارجية. لقد أخطأ الغرب، وخامنئي، والشعب الإيراني في وصف الاتفاق النووي على أنه تطوّري لمصلحتهم، ولكن بعد وقت قصير من توقيعه، أصبحت عدم فعاليته في تحقيق وعد التغيّر الحقيقي السريع موضوعاً مشتركاً للشكوى من قبل جميع الأطراف الثلاثة.

استخدم روحاني مفتاحاً كرمزٍ لحملته الرئاسية عام 2013، بافتراضه ضمناً أن التفاوض بشأن القضية النووية كان مفتاحاً رئيساً سحرياً باستطاعته فتح الأبواب السياسية والثقافية المقفَلة، وحتى ضمان تساوي الحقوق بين المواطنين، ونتيجة تركيزه الجامح على المسائل النووية، كانت أمامه عقبتان على الأقل: أوّلاً، منذ اليوم الأوّل في منصبه، قرّر روحاني عدم الضغط على المتشددين بشأن القضايا غير النووية للحصول على دعمهم أو إبطال جهودهم التخريبيّة التي تستهدف سياسته النووية. ثانياً، عبر ضمان توقيع اتفاقٍ نووي، خاطر روحاني بكلّ ما لديه، فلم تكن لدى حكومته خطّةً بديلة لأي سيناريو آخر غير نجاح المفاوضات النووية مقرونة بتحقيق نتائج سحرية.

ومن المفارقات أنّ كلّاً من ترامب وخامنئي أعرب عن استيائه من الاتفاق بعد توقيعه، قبل وقتٍ طويل من تولّي ترامب الرئاسة، ومع ذلك يعرض الرئيسان تفسيراتٍ بديلة عند تقييم مصدر الأزمة الراهنة في إيران، فترامب يعتبر أن الفضل يعود إليه في تحقيق تأثيرات الانسحاب من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات السابقة، واعتماد عقوبات جديدة. ومن جهةٍ أخرى، يقلل خامنئي من دور العقوبات في تدهور الأوضاع المعيشية للشعب، ويلقي اللوم على سوء إدارة الحكومة في انهيار العملة الإيرانية وغيرها من الأعراض المروّعة للضيق الاقتصادي للبلاد.

ولا يمكن للمرء أن يفهم سياسة إيران من دون الإقرار بأن أيّاً من أزمات البلاد ليست جديدة، فقد أثبتت الجمهورية الإسلامية على مر التاريخ أنها غير مؤهَّلة لحلّها، ومبدئياً لا يمكن التخلص من المطالب الملحة التي تشكلها أزمة ما إلّا من خلال خلق أزمة أخرى، الأمر الذي يؤدّي إلى تصاعد التحديات المتعددة الأبعاد مع وجود أمل ضئيل في الخروج منها. إن تصميم الطبقة الحاكمة على إعاقة جهود الإصلاح وإسكات المطالب الديمقراطية من جهة، وتكثيف عملية تجنيد الحكومة بأكملها من جهة أخرى، يؤديان إلى تفتيت المجتمع وعدم تسييس مواطنيه.

ويكشف التعمق في طبقات السياسة الإيرانية أوجه شَبَهٍ قوية بين إيران ودول أخرى "ما بعد مرحلة الحُكم الشمولي". وللوهلة الأولى، قد يسخر المرء جدّاً عندما يُحاط علماً بالتشابه القوي بين الأصولية الشيعية والامبراطوريات السلطوية المناهضة للأديان، ومع ذلك تم إنشاء الحكومة الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة وتعزيزها من خلال اتّباع نماذج الأنظمة الاستبدادية المجاورة على أساس طوعي، وبعد أربعة عقودٍ من الزمن، هناك تشابهٌ قويّ بين مخادع إيران المختلفة والسمات الأساسية للأنظمة ما بعد الشمولية في الكتلة الشيوعية السابقة.

وبدلاً من ملاحظة الأزمة التي تواجهها إيران وتحليلها، يتمثّل نهج القيادة الإسلامية في إنكار طبيعتها أو تجاهلها أو التقليل منها أو إساءة صياغتها عمداً، ومع تفاقمها، تصبح رؤية النظام وهمية، مما يدفعه إلى معالجة المشاكل من خلال خلق مشاكل أكبر منها، وعادة ما تنشأ أزمة ما وتنمو وتتكاثر، إذا لم يتم تبني علاجٍ واقعي أو نهاية حقيقية للأزمة.

وبعد أن تتم إعاقتها ووضعها جانباً، تفشل مبادرات المُصلِحين بسبب أخطائهم الخاصة، الأمر الذي يولّد فريقاً متطرّفاً يعيد إحياء مصالح الحكومة في اعتداء فوضوي، ويشعر الناس العاديين بالخيانة من قبل الثورة والإصلاح على السواء، وبالإرهاق من الوعود الخيالية المقترنة بالوقائع المؤلمة.

ونتيجة لذلك، تزداد معاناة الناس ويصبحون غير مسيّسين إلى حد كبير، مما يشكّل السبيل الأفضل للنجاة. إن الرعب الذي يمارسه الجيش الثوري في البلاد والحرب غير المتكافئة في الخارج يوسعان باستمرار حدود الأزمة، وبسبب عجز الجمهورية الإسلامية عن فهم الجوانب الإشكالية أو التداعيات المميتة لسياساتها، ترفض الاعتراف واقعياً بأي أزمة في حد ذاتها، ناهيك عن وضع الطموحات الأيديولوجية جانباً من خلال تصحيح السياسات الفاشلة في الوقت الذي لا يزال هناك وقت للتصرّف.

وكلّما تفاقمت الأزمة ازداد تساؤل الناس "متى ستنهار الجمهورية الإسلامية؟" إلّا أن السجل الإيراني المنتظم المتمثل بالعمل ككيانٍ استبدادي يدعو إلى الوحدة الإسلامية، بدلاً من التصرف كدولةٍ قائمة على مصالحها الوطنية، يطرح سؤالاً أكثر صعوبة، وهو: "ما الذي حافظ على الشمولية الثورية الإيرانية من الانهيار حتّى الآن؟".

* مهدي خلجي

* «راديو فاردا»

back to top