«الجهادية» التونسية بعد مرور 5 سنوات على «أنصار الشريعة»

نشر في 29-09-2018
آخر تحديث 29-09-2018 | 00:02
تشييع أحد ضحايا هجوم «داعش» على الحرس الوطني في سيدي بوزيد
تشييع أحد ضحايا هجوم «داعش» على الحرس الوطني في سيدي بوزيد
وفقاً للادعاءات الرسمية التي تتبنى فيها التنظيمات مسؤوليتها عن الهجمات، تمكن تنظيم داعش من تنفيذ 11 هجوماً في تونس عام 2015، لكنه لم ينفذ سوى 4 هجمات في كل من عام 2016 و2017، واثنين حتى الآن في 2018.
تمر الحركة الجهادية في تونس حاليا بأحلك حالاتها منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت برئيس الجمهورية السابق زين العابدين بن علي، ووفرت لاحقا مجالا أمام تنامي الجهادية في تونس، فقد برزت جماعة «أنصار الشريعة في تونس»، وبعدها ظهر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ومن ثم «كتيبة عقبة بن نافع» كأبرز هذه الحركات في تونس، وفي حين لا تزال خلايا تنظيم «داعش» و«كتيبة عقبة بن نافع» ناشطة، لا سيما في المناطق الجبلية النائية الواقعة على الحدود التونسية -الجزائرية، إلا أن مستقبل الجهادية التونسية يتبلور إلى حد كبير داخل نظام السجون بعيدا عن أنظار عامة الشعب.

وفي 27 أغسطس 2013، أدرجت الحكومة التونسية جماعة «أنصار الشريعة في تونس» على قائمة التنظيمات الإرهابية لترسم بذلك نهاية حقبة غير عادية في تاريخ الجهادية التونسية. فخلال العامين ونصف العام التي أعقبت الثورة، سمح للأفراد في تونس بالانخراط علنا في مختلف الأنشطة المروجة للعقيدة الجهادية، بما فيها نشر الدعوة الجهادية وتجنيد العناصر وتنظيم الفعاليات وتقديم الخدمات الاجتماعية، ولكن سرعان ما عادت الجهادية إلى وضعها المعهود في تونس، الذي تميز بوجود مقاتلين أجانب وميسرين وخبراء في الشؤون اللوجستية ومخططين ومهاجمين إرهابيين.

واجهة لـ«القاعدة»

وعلى الرغم من نشوء مجموعة «أنصار الشريعة في تونس» أساسا لتكون جماعة تعمل كواجهة لتنظيم «القاعدة»، إلا أن غالبية التونسيين الذين بقوا متورطين في الجهادية (بعد تصنيف الجماعة على قائمة التنظيمات الإرهابية)، انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية ولاحقا في ليبيا. وبقيت نسبة صغيرة من العناصر موالية لدعوة تنظيم «القاعدة» فآثروا إما البقاء معها أو الإنضمام إلى «جبهة النصرة» في سورية وجماعاتها اللاحقة في النهاية، «جبهة فتح الشام» و «حركة تحرير الشام»، أو إلى «أنصار الشريعة في ليبيا» - التنظيم الشقيق لـ «أنصار الشريعة في تونس» - أو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الجزائر وليبيا ومالي وتونس.

وفي حين ساهم هذا التشتت في تقليص معدلات العنف لمدة عامين، إلا أن التوجيهات والتدريبات القادمة من الخارج - وتحديدا من ليبيا وبدرجة أقل من سورية - تسببت في قيام موجة من المؤامرات والهجمات ضد المدنيين ومسؤولي الأمن التونسيين في عامي 2015 و2016. وكان أبرز تلك الهجمات الاعتداء الذي وقع على «متحف باردو الوطني» في مارس 2015، والهجوم على منطقة سوسة الساحلية في يونيو 2015، والاعتداء على أفراد الحرس الرئاسي في تونس العاصمة في نوفمبر 2015، فضلا عن محاولة السيطرة على مدينة بنقردان على الحدود الليبية في مارس 2016.

تدهور التنظيم

ومنذ ذلك الحين، تدهورت قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» في كل من تونس وليبيا، ووفقا للادعاءات الرسمية التي تتبنى فيها التنظيمات مسؤوليتها عن الهجمات، تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من تنفيذ 11 هجوما في تونس عام 2015، لكنه لم ينفذ سوى أربع هجمات في كل من عام 2016 وعام 2017، واثنين حتى الآن في عام 2018. وتنطبق هذه الاتجاهات أيضا على «كتيبة عقبة بن نافع» التي نفذت ست هجمات في عام 2015 وخمسة أخرى في عام 2016 وثلاثة في عام 2017 واثنين حتى الآن في عام 2018. ولا تعزى هذه الوتيرة إلى المعلومات الاستخبارية التي تجمعها قوات الأمن التونسية فحسب، بل أيضا إلى الجهود الدؤوبة التي تبذلها الحكومة التونسية لاعتقال الأفراد الذين يظهرون أي بادرة تعاطف مع الجماعات الجهادية أو أي محاولة لمساعدتها أو الانضمام إليها أو التآمر معها، وذلك على المستويين المحلي والخارجي. ومهما كان، فمن خلال رمي الشباك الواسعة، هناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تحول الأفراد الذين لا يزالون في المراحل المبكرة من التجنيد إلى عناصر متطرفة في السجن بشكل لا داعي له، لا سيما أن الحكومة التونسية لم تؤمن لهؤلاء الأفراد أي طرق بديلة.

43 اعتقالاً

وقد كشفت البيانات الصحفية الصادرة عن وزارة الداخلية التونسية وتقارير الصحف التونسية المحلية منذ مطلع أغسطس 2018 عن تنفيذ 43 عملية اعتقال بتهمة جرائم متعلقة بالجهاد - أي بمعدل أقل بعض الشيء من شخص واحد في اليوم. وجدير بالذكر أيضا أن هذه الاعتقالات حدثت في مناطق مختلفة في تونس، ما يبين أن الجهادية في البلاد، بالرغم من حجمها الصغير، ظاهرة وطنية وليست أحداثاً تتركز في منطقة واحدة أو اثنتين.

وفي حين يعتبر هذا الأمر إيجابيا بالنسبة للأمن والاقتصاد والسياحة في تونس، إلا أن المقاربة القائمة على الأمن البحت ليست قابلة للاستدامة. فمستقبل الحركة الجهادية في تونس يتبلور داخل نظام السجون المزدحم الذي يفتقر إلى البرامج الفعالة لإعادة التأهيل أو إعادة الدمج، أما فيما يخص البرامج التي ساهم فيها الاتحاد الأوروبي، فلا تزال علامات الاستفهام قائمة حول الطريقة التي نفذت بها، وما إذا كانت هناك أي معايير لقياس مدى نجاحها وإمكان تكرارها بمرور الوقت.

مؤشر غير دقيق

وبسبب مئات، إن لم يكن آلاف الأشخاص الذين تم اعتقالهم بتهم متعلقة بالجهادية منذ عام 2013، بالإضافة إلى 16 ألف شخص منعوا من السفر إلى العراق وليبيا وسورية وبقوا في تونس، فضلا عن 970 مقاتلا أجنبيا عادوا من مناطق الحروب في تلك البلدان، يتبين لنا أن هذه الظاهرة ليست بالضرورة مسألة آخذة في التضاؤل، حتى إذا كانت وتيرة الهجمات وقدراتها أقل بكثير من معدلها عام 2013 أو بين عامي 2015 و2016.

لذلك، في حين تستحق تونس الثناء لأنها نجحت في احتواء مشكلة الجهادية، من المفيد الخروج عن المقاربة الأمنية المحضة والاستفادة من قدرات المجتمع المدني التونسي القوي، من أجل إعادة دمج الأفراد الذين لا يعتبرون من الجهاديين المتمرسين أو المتشددين في المجتمع بشكل أفضل، وذلك لتعزيز أمن البلاد ورفاهية شعبها في المستقبل. ويمكن أن يساعد ذلك في منع عودة النشاط الجهادي على مثل هذا النطاق الواسع في المستقبل. وخلاف ذلك، سنشهد في تونس تكرارا للسيناريو نفسه الذي رأيناه في العديد من المناطق الأخرى، أي معاودة ظهور تنظيم جهادي على الرغم من علامات التحذير القائمة منذ البداية.

في حين تستحق تونس الثناء لنجاحها في احتواء مشكلة "الجهادية" من المفيد الخروج عن المقاربة الأمنية المحضة والاستفادة من الخبرات القوية للمجتمع المدني التونسي

كتيبة عقبة بن نافع نفذت 6 هجمات عام 2015 و5 عام 2016 و3 في 2017 وهجومين حتى الآن في 2018
back to top