وجهة نظر : قراءة في استقلالية السياسة النقدية الكويتية

نشر في 28-09-2018
آخر تحديث 28-09-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة يوم أمس الأول بمقدار 25 نقطة أساس هو الثالث من نوعه هذا العام، والثامن منذ أن ترسخت قناعة المجلس بتعافي الاقتصاد الأميركي من آثار الأزمة المالية العالمية بحلول النصف الثاني من سنة 2015.

ولم يحذُ بنك الكويت المركزي، خلافا للبنوك المركزية في البلدان الخليجية الأخرى، حذو مجلس الاحتياطي الفدرالي، إذ قرر الإبقاء على سعر الخصم الرئيسي دون تغيير عند ثلاثة في المئة، وهذه هي المرة الرابعة التي يقرر فيها البنك المركزي عدم اقتفاء أثر السياسة النقدية الأميركية في غضون السنوات الثلاث الأخيرة التي شهدت ثماني زيادات في فائدة الدولار الأميركي، والتي قد تشهد الزيادة التاسعة في ديسمبر المقبل.

استقلالية السياسة النقدية

استقلالية مسار السياسة النقدية الكويتية عن مسار نظيرتها الأميركية تدعمها مبررات قوية ومسوغات واضحة، وهي تحظى بدعم ومؤازرة القطاع الخاص المحلي.

إذ على خلاف الدول الخمس الأخرى في مجلس التعاون، كانت الكويت قد انفردت منذ النصف الأول من عام 2007، تحت وطأة ضغوط تضخمية عاتية، بالتخلي عن سياسة ربط الدينار الكويتي بالدولار الأميركي، الذي كان يشكّل مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس، باعتبار ذلك – أي المثبت المشترك - واحدا من بين متطلبات السير باتجاه الوحدة النقدية الإقليمية.

وقد أعطت هذه الخطوة للكويت قدرة على انتهاج سياسة نقدية مستقلة الى حد كبير عن سياسة المنطقة الدولارية، وهي استقلالية لا تحظى بها أي من دول المجلس الأخرى المتمسكة بسياسة ربط عملاتها بالدولار الأميركي. وتتمثل هذه الاستقلالية، كما وصفها بيان البنك المركزي، في قيام البنك بتنظيم السيولة المحلية عبر سياسة بيع وشراء السندات والصكوك، وقبول ودائع الأجل من البنوك المحلية والتوجيه المباشر، بدلا من الركون الى أداة سعر الخصم.

أداء اقتصادي متواضع

تشكّل استقلالية مسار الفائدة على الدينار عن الدولار سياسة حصيفة يبررها هذا الاختلاف الواضح بين أداء الاقتصاد الأميركي القوي والمتماسك على مدى السنوات الست الأخيرة وضعف وتيرة النشاط الاقتصاد الوطني خلال هذه الفترة.

إذ شهد اقتصاد الولايات المتحدة تعافيا ثابتا ومطردا على صعيد مؤشرات ثقة المستهلك وزيادة الإنفاق الاستهلاكي والطلب على الاستثمار وخلق الوظائف ونمو قيم الأصول المالية والحقيقية، في وقت اتسمت فيه مؤشرات الاقتصاد الكويتي بالضعف، وتواصلت معاناته من تراجع وتيرة النشاط التجاري والاستثماري وتقلص آفاق الفرص الاستثمارية المجزية، وهذا ما أكده بيان البنك المركزي عندما أشار الى تواضع معدلات نمو الائتمان المصرفي المحلي بسبب التواضع في معدلات النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية.

هذا أولا، أما ثانيا، فإن مسار الاقتصاد الكويتي قد ابتعد بدرجة أكبر عن مسار الاقتصاد الأميركي حين بدأت أسعار النفط الخام بالتراجع منذ عام 2014، إذ عزز هذا الانخفاض قوة الاقتصاد الأميركي ومعدلات نمو أنشطته الخدمية والإنتاجية، بينما أضاف أعباء ثقيلة إلى أعباء الاقتصاد الوطني المنكمش والمنهك، والذي ما زال يعاني تداعيات وتبعات الأزمة المالية العالمية التي مضى على انفجارها أكثر من 10 سنوات.

واشنطن ليست قاطرة النمو العالمي

أما ثالثا، فإن اقتصاد الولايات المتحدة الذي شكّل، على مدى القرن العشرين، قاطرة نمو الاقتصاد العالمي، قد انفرد وتميز منذ عام 2010 بتعاف سريع وصعود قياسي في قيمة مؤشراته الحقيقية والاسمية الى درجة اقترابه من خطوط حُمر كثيرة في الآونة الراهنة، وهو تعاف وصعود لم تشهدهما البلدان المتقدمة الأخرى، سواء على الضفة الأخرى من الأطلسي أو شرق آسيا، بل على النقيض من ذلك، قابلته في هذه الدول أزمات عاصفة ومتلاحقة.

وفي ظل انقسام حاد كهذا بين أداء الاقتصادات الدولية لن يكون من الحصافة أو الرشد أن تربط الكويت، بكل ما تتمتع به من علاقات تجارية متشعبة مع البلدان الأخرى، فضلا عما تعانيه من ركود اقتصادي، مسار سياستها النقدية بمسار قاطرة خاطفة السرعة يعجز الآخرون عن تتبّعها أو حتى الاقتراب منها.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top