الشاعرة وفاء يونس: الجرأة حرية قول وفعل بضوابط أخلاقية

• «دعوة إلى الحب» يرصد ويحلل ويحذر من نذير آتٍ

نشر في 28-09-2018
آخر تحديث 28-09-2018 | 00:00
في ديوانها «دعوة إلى الحب» الصادر حديثاً عن «دار المؤلف» في بيروت، ترفض الشاعرة وفاء يونس ما يتردد عن نعيٍ للحب في عالم باتت تسيطر عليه سياسة الكراهية والبغض، زرعتها القوى العظمى لتتلاعب بأقدار الشعوب النامية، فانجرفت هذه الأخيرة وراء العصبية والمذهبية والفئوية وراحت تدمر نفسها بنفسها.
هذا الواقع ليس بعيداً عن ديوان وفاء يونس، لكنه لا يغرق في السوداوية، بل يدعو، في خضم الحروب والتجاذبات من أي نوع كانت، إلى منطق المشاعر التي وحدها الخلاص من أنهار الدم المتدفقة في أكثر من بلد يحيط بنا.
وفاء يونس شاعرة وناشطة في الحقل الثقافي في لبنان، فهي عضو في المجمع الثقافي العربي ومن مؤسسي منتدى القلم الذهبي في لبنان وحائزة جائزته في 2017، كذلك هي عضو في منتديات ومراكز ثقافية عدة.
عنوان ديوانك الجديد «دعوة الى الحب». هل من صدى لهذه الدعوة في عالم اليوم؟

هذا أمر مؤكد، فالحب هو عنوان الأمل وإشراقة الحياة ومبعث التفاؤل، إنه محرك الأحاسيس، ومن دونه لا معنى للحياة، إذ ستكون صحراء قاحلة .

هل يمكن اعتبار الديوان بمثابة ناقوس خطر لما يتهدد البشرية من وحشية وظلم؟

الكلمة الجميلة النابعة من أحاسيس صافية ومن رؤية شفافة تشكل درعاً وسداً في وجه الرعونة، ولأن الكلمة عنوان أساس لأنها في البدء كانت، فقد بنيت بها الحياة، وهي الرسالة التي تقرأها العيون فتدخل القلوب بلا استئذان. ولأن الشاعر راصد للأحاسيس والمجتمع بكل تناقضاته، فهو يرى أبعد مما يراه الآخرون، باعتبار أن رؤيته للمحيط أعمق من رؤية غيره. من هنا يشكل الديوان منطلقاً إلى ما وراء الواقع المرئي في عملية تحليل لما يرصد وبالتالي لما يمكن أن يكون، فيحذّر من نذير آت.

تأثر وتفاعل

هل القصائد بمثابة ردة فعل على ما يجري اليوم من حروب ومجازر في حق الإنسانية؟

نعم، الشاعر ابن الواقع، ولأنه يتميز بإحساس مرهف فتأثره بما حوله حتمي، إذا كان يرصد الأحداث بكل تناقضاتها فكيف بالحروب والمجازر واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان؟

قطعاً سيكون أكثر تأثراً بالأحداث وأكثر تفاعلاً معها، وبالتالي ستكون قصائده إما وصفية نقدية وإما هجومية عنيفة وإما تقريعية للساكتين عن الحق. وأقله الساكت عن الحق شيطان أخرس، فكيف بالعدوان على الحق وحرمان الناس أبسط حقوقهم. قطعاً، ينطلق موقف الشاعر من مبادئه الإنسانية ومن أحاسيسه المرهفة .

يتضمن الكتاب قصائد وجدانية ورثائية قدمتها في مناسبات عدة، فهل هي ابنة هذه المناسبات وإلى أي مدى يمكن أن تكون قصائد المناسبات شمولية؟

ما يعشش في الوجدان يفضحه اللسان. للقصائد الوجدانية ظروفها وهي انعكاس للمشاعر، فما إن يأتي السبب حتى يتدفق الكلام سلسبيلاً عذباً ويبدأ التحليق في فضاءات الأحلام الزاهية في عملية سكب للإحساس في كلمات فتولد القصيدة .

أما الرثائية والندبية فهي نابعة من الشخص نفسه، ولكن معانيها تختلف لاختلاف الواقعة وهذا أمر بديه.

أما عن الشمولية فكلا، لأن الواقع يتغير والإنسان ابن المتغيرات، وإن صمد فإلى حين لأنه لا يستطيع تجاهل ما حوله، وبالتالي لا يستطيع تعميم أفكاره على الجميع، أو يلغي فكراً أو رأياً مخالفاً لرأيه، فهو هنا ديكتاتور. القصائد الشعرية بنت الواقع، ومن خرج من حقيقة الواقع تاه كالطير محلقاً خارج السرب .

تعبق القصائد في الديوان بمعاناة اجتماعية، فهل هي نتيجة تجارب شخصية أم متعلقة بما يحدث من مآسٍ من حولنا؟

الشاعر يتأثر فيؤثر، إنه صاحب مشاعر جياشة وأحاسيس مرهفة، وبالتالي تأثره بالمعاناة يصل إلى أعماقه فيحرك فيه الإحساس بالآخر فتكون القصيدة. والقصيدة لا حدود تمنعها من الانطلاقة أو تحد من انتشارها، فهي تنطلق كالشهب عابرة حدود المكان، لأن عنوانها وأساسها كما أشرت الكلمة.

والشاعر بتكوينه النفسي والفكري لا يمكن حبسه في زنزانة، فهو في علاقة جدلية مع الأشياء، مع الناس، مع الطبيعة، وقبل هذا وذاك مع نفسه.

تراكم ثقافي

في القصائد شطحات أقرب الى الفلسفة، فهل تختصرين بها تراكم الثقافات التي اكتسبتها أم هي نظرتك إلى المرئي واللامرئي؟

لكل أمر ظاهر وباطن ثمة شعور ولاشعور. في الباطن أو لنقل في اللاشعور، مجازاً، يتم اختزان المعرفة بتفرعاتها كافة. قد ننسى أموراً ونحاول إلزام أنفسنا على تذكرها فلا نفلح. ولكن في لحظات انفلات اللاشعور في حال حزن أو مأساة أو غضب يظهر ما ظننا أنفسنا قد نسيناه .

في الشعر يؤدي الخيال دوره مع اسقاطات على الواقع فيتم الامتزاج، وهنا يظهر كمّ من المخزون المعرفي، في صورة ما، في جملة ما، عبر تشابيه واستعارات من دون أن نقصد توظيف شيء منها في نص شعري ما.

أما بخصوص المرئي المحسوس فهو يخضع للوصف التعبيري اللصيق بالواقع والمنطلق من مفردات هذا الواقع. وكما قلت الجدلية تحكم الأشياء وكذلك النسبية.

أما اللامرئي فهو المتوقع بالاستدلال، وهنا يكون للمخيلة مع التفكير الاستنباطي دور أساس في توقع ما سيحدث. إنه الحدس الذي يميز بين إنسان وآخر.

تنهل قصائدك عموماً من معين الحب وتتوجهين إلى حبيب ترسمينه بأبهى صورة. فأين هو الواقع وأين هو الخيال فيها؟

أنه امتزاج بين الواقع والخيال حيث لا فاصل لهما. إنها رؤية الإنسان لمن يحب، وقد قيل قديماً: «عين المحب عن كل عيب كليلة». وكيف لا أنهل من معين الحب وهو عنوان الحياة وماؤها وهواؤها .

هل تفرض الأحداث من حولنا بعض مواضيع قصائدك على غرار قصيدتك «القدس» مثلا؟

طبعاً. فالشاعر مهما حلق بعيداً في عوالم بعيدة من أرض الواقع لا يمكنه الانسلاخ عن واقعه. حتى وإن كان ينظر إلى هذا الواقع بعين الرفض.

فالقصيدة بنت الحدث وهي نتيجة فعل وردة فعل، والأحداث تفرض وجودها مهما حاولنا الابتعاد او التجاهل.

لماذا اخترت هذا الوقت بالذات لإصدار ديوانك الأول؟

أنا لم أختر، إنما الظروف تهيأت لطرح الديوان... وهو أنجز فلم الإحجام؟ لم أر مبرراً للتأخير فكان ما كان.

المرأة والجرأة

حول وضع المرأة الشاعرة في عالمنا العربي وهل تستطيع التعبير عما يجول في فكرها، تقول الشاعرة وفاء يونس: «لا تزال المرأة في عالمنا العربي مقيدة في مجتمع تسيطر عليه مفاهيم الذكورة وأحكامها».

وتضيف: «في مجتمع ذكوري لا يكون للمرأة هامش حرية واسع، وإن اتسع فهو مراقب ومحاط بمفاهيم موروثة، ولكن في كل محظور ثغرة تنفذ منها المرأة لتحقيق ذاتها، وهذه الثغرة تتسع يوماً بعد يوم بفضل التطور الفكري والتكنولوجي. صار العالم مثل قرية صغيرة يتواصل أهلها من دون حواجز أو موانع».

وحول تحديدها الجرأة في التعبير تقول: «الجرأة في نظري من سمات الشخصية القوية المستقلة التي تعرف ما تريد بحرية وعقلانية، من دون أن تشكل أذية للآخرين أو تخدش الحياء ولو بالمفاهيم المتوارثة. الجرأة حرية قول وفعل ولكن بضوابط أخلاقية» .

القصائد الشعرية بنت الواقع ومن خرج من حقيقة الواقع تاه كالطير يحلق خارج السرب
back to top