فخري النجار: لغتنا العربية في خطر

• «قوية وجديرة بالاحترام وتُكتسب بالممارسة لا حفظ المفردات»

نشر في 25-09-2018
آخر تحديث 25-09-2018 | 00:02
قال فخري خليل النجار، مؤلف كتاب «اللغة العربية لغير الناطقين بها محادثة وكتابة»، إن تعلّم العربية أمر مهم، وإن ثمة كثيرين يعشقونها لأنها لغة عريقة. ومن خلال حديثه، وجّه النجار نصيحة إلى غير الناطقين بها وهي أن عليهم أن يقرؤوا اللغة العربية، ويتعرفوا إلى أسرارها ومفاهيمها، والسبب أنها تحمل فكراً عميقاً... إلى مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي.
ما المشاكل التي يواجهها غير الناطقين باللغة العربية عند محاولة إتقانها؟

أن يتعلّم غير الناطق بالعربية هذه اللغة الغنية لهو أمر مهم، ويؤكد أن كثيرين يعشقونها. هي لغة القرآن الكريم. تحمل مؤلفات كثيرة اللغة العربية سواء كُتبت أساساً بها، أو كانت ترجمات عن لغات أخرى مثل اللاتينية، والفارسية، والهندية وغيرها. وكثير من المفكرين والعلماء غير العرب يريدون أن يتعلموا العربية، وأبرز الصعوبات التي يواجهونها مفاهيم دقيقة في البلاغة والنصوص والتفسيرات.

يحتاج هؤلاء إلى أن يعرفوا أسرار العربية، كي يتمكنوا من التعامل مع الذين يتكلمونها، ولا ننسى أن العلماء المستشرقين بحاجة إلى أسرار اللغة العربية كي يطلعوا على حضارتنا، وتاريخينا، وقرآننا. أشير هنا إلى أن كثيرين منهم عندما يتعرفون إلى العربية ويقرؤون القرآن، يتأكدون من أنه رسالة حق ومن الله سبحانه وتعالى. وبالنتيجة، يعتنقون الإسلام. من ثم فإن فهم اللغة العربية يساعد في نشر الدين الإسلامي وحضارة العرب. وعلينا نحن أن نوصل هذه الحقيقة إلى هؤلاء.

أهمية ممارسة اللغة

ما المدة التي يحتاج إليها غير الناطق بالعربية للتعرف إلى هذه اللغة؟

سيكولوجياً، يحتاج إلى تدريب وممارسة لأن اللغة لا تُكتسب، كما يقول العالم فرانك جوين، من خلال حفظ الكلمات والمفردات فحسب، بل عبر الممارسة. وجوين الفرنسي أدرك ذلك عندما تعلّم الألمانية. شخصياً، أصدرت كتاباً بعنوان «تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها»، وثمة آخرون كتبوا في هذا المجال.

ما النصائح التي توجهها إلى غير الناطقين بالعربية؟

عليهم أن يقرؤوا العربية، ويتعرفوا إلى مفاهيمها وفكرها العميق، خصوصاً العلوم المترجمة من أمم كثيرة، والعلوم عموماً لا تنحصر بلغة، بل تنتشر بلغات العالم كافة. أخذت العربية من علوم اليونان، والفرس، والرومان، التي كانت على شكل مخطوطات ثم تُرجمت، وفي الحرب العالمية الأولى عندما جاء المستعمرون إلى بلاد العرب أخذوا من هذه المخطوطات (كانت في حدود المليون مخطوط) نحو 800 مخطوط إلى البلدان الأوروبية مثل بريطانيا، وفرنسا، وأسبانيا، وترجموها واستفادوا منها. اليوم، لا يستطيع المفكرون، والعلماء، والأدباء الغربيون إبعاد اللغة العربية عن حيزهم البحثي في مجالات العلوم، والآداب، والفنون.

لغة عريقة

ما سبب تأليفك كتاب «تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها»؟

للمنطقة العربية حيث الحضارات والعلم امتداد تاريخي واسع. تزورنا أفواج من السياح للتعرّف إلى حضارتنا، وتاريخنا، وتراثنا، والغالبية منهم لا تتكلم العربية، فيستعينون بالأدلاء. الأمر الإيجابي أن غالبية الدول الأوروبية وأميركا، قبل إرسال رجال السياسة إلى السفارات والمؤسسات في بلادنا تخضعهم لدورات تدريبية في العربية ليتمكنوا من تسيير أعمالهم. من ثم، من واجبنا نحن أن نوصل رسالة بأن هذه اللغة عريقة، وتلبي احتياجات الآخرين.

هل ثمة إقبال على تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها؟

السياسة تؤدي دوراً كبيراً بهذا الشأن. كما نعرف، في الأمم المتحدة ست لغات دولية من ضمنها العربية. من ثم، يكفينا فخراً أن لغتنا أخذت مكانتها في هيئة الأمم المتحدة على اعتبار أنها لغة عالمية يستطيع أي مندوب في الهيئة أن يتكلمها، وهو حق مشروع له. أوصي هنا المندوبين العرب بأن يتكلموا العربية لا الإنكليزية، فلا نهمشها نحن أصحابها.

مخاطر عدة

هل ثمة مخاطر تهدِّد اللغة العربية؟

نعم، ويأتي أكثرها من أبناء اللغة العربية المتكلمين بها. لغتنا قوية وجديرة بالاحترام، فهي لغة القرآن الكريم، والحياة والأمم. لماذا نعزف عنها، فيما نرى أنها لم تنثنِ أبداً إزاء عواصف الدهر؟ جميع الأمم التي جاءت إلى البلاد العربية، واستعمرتها، أرادت أن تكسر شوكة العرب وتعلقهم بالقرآن الكريم وباللغة العربية، ولكنهما باقيان.

على أبناء اللغة العربية، خصوصاً المثقفين منهم، ألا يجعلوا اللغات الأخرى بديلة عن لغتهم. صحيح أننا نؤمن بتعدد اللغات، والانفتاح على الثقافات، ولكن لا نؤمن بتهميش اللغة العربية.

هل اللغة العربية قادرة على استيعاب كل ما هو مستحدث؟

قادرة على حمل رسالة العلوم، والمعارف، والآداب، والفنون في العالم. لدينا المجامع اللغوية التي نفتخر بها، وهي تدرس أية مفردات أو قوانين جديدة على اللغة العربية من خلال فقه اللغة، الذي يتكلم عن علم الأصوات العالمي، لأن العربية بحروفها عبارة عن أصوات، وللأخيرة معانٍ كثيرة، إذ قد يحمل الواحد منها 10 معانٍ أو أكثر. وهكذا أي نص بأية لغة بإمكاننا أن نترجمه إلى العربية، وهنا أشدِّد على أن الترجمة يجب أن تكون بالمعنى وليست حرفية.

كيف تقيِّم وضع اللغة العربية في البلاد الأوروبية؟

في البلاد الأوروبية، لا يقبل الناس العاديون على اللغة العربية لأنهم لا يعرفونها، ولكن العلماء يهتمون بها لأن مخطوطات بهذه اللغة ترجمت بين الحربين العالميتين الأولى والثانية تتضمّن علوماً لم تكن معروفة عندهم، في الطب والصيدلة والهندسة وغيرها. وأنا هنا لا أدعي أنها عربية بل أقول إنها ربما تكون عربية أو بلغات أخرى غير العربية. ويبقى أن هذه اللغة وعاء للمعرفة العالمية.

كذلك أشير هنا إلى أن العلماء العرب، خصوصاً المسلمين منهم الذين تعلموا العربية أضافوا معارفهم في الترجمة، وأصبحت هذه اللغة تزخر بترجمة علوم الأوائل والأقدمين، بالإضافة إلى ما يملكه العرب من علوم ومعارف. من ثم، تحمل العربية الإطار العام للمعرفة العلمية في العصر الحديث.

ظاهرة منتشرة بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي وهي كتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية، ما تأثير ذلك في اللغة العربية؟

لا يجوز ذلك أبداً، وهو تعدٍ على العربية التي لا يعرف حقيقتها إلا العلماء، ومن هؤلاء الخبراء في علم السيميولوجيا، أي الترميز العالمي. كل لغة في العالم تحمل رموزاً، والعربية حروفها رموزها. الأعداد رموز، والقوانين والأنظمة رموز. يقول كبار علماء السيميولوجيا، ومن بينهم فرديناند دي سوسير، إن العربية برموزها وتفاصيلها تحمل فكراً عالمياً ضخماً، وإن ما توصله من حقائق ومعلومات تعجز عنه أية لغة في العالم، والسبب أن قوة اللغة تكمن في قوة أدائها.

«تجديد الإطار»

حول مناهج اللغة العربية لغير الناطقين بها وهل تفي بحاجة الطلاب، قال فخري خليل النجار: «أية مفاهيم في المناهج أو في أي علم من العلوم يجب أن يُجدد إطارها كل خمس سنوات، مع تأكيد أهمية المشرفين، والموجهين، والفنيين، وكتابة التقييمات، ووضع الإصبع على مواضع الخلل. من ثم، يأتي تجديد الإطار الخاص في المنهج والعمل على تصحيح الأخطاء، والأمور السيكولوجية الضعيفة. حقيقة، فإن الجهات التعليمية لا تهتمّ بهذا المدلول، بل يوليه الأشخاص العاديون الذين يؤلفون الكتب أهمية، والمعاهد التي تعطي دروساً بالعربية لغير العرب وغير الناطقين بهذه اللغة.

أما بشأن عدم إقبال الناشئة على اللغة العربية، فيوضح: «يجب أن نعرف أن قوة اللغة العربية تكمن في قوة أدائها، والخطأ فينا نحن لأننا لم نعطها حقها. فاللغة العربية هي أمنا، وكما الطفل يرجع إلى أمه، كذلك الإنسان يرجع إلى لغته كي يعبِّر عن مفاهيمه، وجميع حقوقنا وعلومنا وحضارتنا بالعربية، فإن أهملناها فنحن أهملنا نفوسنا، وحقوقنا، وحياتنا».

يؤكد علماء السيميولوجيا أن اللغة العربية برموزها وتفاصيلها تحمل فكراً عالمياً ضخماً

العربية تحمل الإطار العام للمعرفة العلمية في العصر الحديث
back to top