عقوبات ترامب لإيران وتأثيرها في أوروبا

نشر في 20-09-2018
آخر تحديث 20-09-2018 | 00:04
 المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وضع قرار ترامب الذي سحب بموجبه الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عند طرفي نقيض في برنامج عقوبات معقد، ففي الأشهر الأخيرة، نادت الولايات المتحدة بعقوباتها الأحادية الطرف، معتبرةً إياها أداة فاعلة لإرغام دول أخرى على وقف تعاملها التجاري مع إيران. في المقابل، سعت الحكومات الأوروبية إلى الحد من تأثير هذه العقوبات في شركاتها الأوروبية من دون إحداث شرخ كبير في العلاقات المتوترة عبر الأطلسي.

لايزال الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا جزءاً من الصفقة، التي تُدعى رسمياً خطة العمل المشتركة الشاملة، لأنها تفرض قيوداً غير مسبوقة على برنامج إيران النووي، مساهمةً بالتالي في حفظ الأمن العالمي. تعهدت الدول الأوروبية بالتمسك بهذه الصفقة (وإن بخيط رفيع) ما دامت إيران متقيدة بشروطها، وعلى نحو مماثل، أعادت إيران تأكيد التزامها بها هذا الشهر، وللحرص على استمرار إيران في الالتزام بهذه الصفقة، عمل الاتحاد الأوروبي جاهداً ليحافظ على الروابط الاقتصادية معها رغم موجة الشركات الأوروبية التي علّقت تعاملها مع هذا البلد.

التزمت الشركات الأوروبية عموماً حتى اليوم بالعقوبات الثانوية الأميركية.

يُعتبر ميزان المصالح واضحاً بالنسبة إلى معظم الشركات في أوروبا، حيث تطغى تعاملاتها التجارية في الولايات المتحدة واعتمادها على النظام المالي الأميركي على أي روابط قد تجمعها بإيران. وبعيد قرار ترامب الانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة، بدأت الولايات المتحدة بإعادة تطبيق عقوباتها الثانوية المرتبطة بالمسائل النووية على إيران.

ستُلحق هذه العقوبات ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني خصوصاً لأنها مصممة لتقلّص إلى حد كبير صادرات النفط التي تعتمد عليها الحكومة الإيرانية في عائداتها ولعرقلة قدرتها على دخول الشبكات المالية العالمية، ولا نعلم بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستمنح تنازلات وإعفاءات لدول محددة كي تواصل استيرادها النفط الإيراني بعد شهر نوفمبر.

في يونيو الماضي، ألغت الإدارة الأميركية أو حدت التراخيص العامة التي كانت أصدرتها سابقاً بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، تشمل هذه التراخيص الترخيص العام H، الذي يسمح للكيانات الأجنبية التي تملكها الولايات المتحدة بالقيام بمجموعة نشاطات تشمل إيران.

دعت فرنسا، وألمانيا، وإنكلترا الولايات المتحدة إلى "تفادي اتخاذ خطوات تعوق تطبيق خطة العمل المشتركة من قبل الأطراف المعنية بالصفقة، ولكن إلى جانب الكلام، ما زال على أوروبا القيام بالكثير من العمل، إن كانت ترغب في الحد من تأثير عقوبات الولايات المتحدة الثانوية. اتخذت أوروبا بعض الخطوات الصغيرة لكنها ملموسة، ففي شهر أغسطس، أعاد الاتحاد الأوروبي إحياء "قانون العرقلة"، الذي اعتُمد أول مرة عام 1996، ليشمل العقوبات الثانوية الأميركية التي تستهدف إيران. يسمح هذا التدبير، الذي صُمم لثني الشركات الأوروبية عن الالتزام بالعقوبات الأميركية خارج حدود الدولة، لكيانات الاتحاد الأوروبي بالتعافي من الأضرار الناجمة عن العقوبات الأميركية من خلال الدعاوى القضائية المدنية المقامة ضد "مَن يسببونها"، إذن، يمنع "قانون العرقلة" نظرياً مواطني الاتحاد الأوروبي وشركاته من الالتزام بالعقوبات الأميركية.

علاوة على ذلك، خصصت المفوضية الأوروبية أخيراً 18 مليون يورو من رزمة بقيمة 50 مليون يورو لمشاريع "تدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة" في إيران، منها ثمانية ملايين يورو لمساعدة القطاع الخاص. صحيح أن هذا الرقم ضئيل جداً مقارنةً بقيمة التعاملات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران عام 2017 التي بلغت 20 مليون يورو، إلا أنه يشكّل، على غرار "قانون العرقلة"، خطوة تمرد سياسية جديرة بالثناء ضد سياسة العقوبات الأميركية.

لم يتخذ الاتحاد الأوروبي بعد قراراته بشأن مسائل دقيقة مثل: إلى أي حد سيحافظ قطاعه المصرفي على روابط مع إيران بعد نوفمبر؟ وكيف سيحول دون حدوث انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية؟. وعلى غرار اليابان، والهند، والعراق، تخوض شركات أوروبية كثيرة محادثات مع أميركا بشأن كيفية تطبيق العقوبات الثانوية وما إذا كانت الخزانة الأميركية تستطيع إعفاء شركات في مجالات تجارية مهمة استراتيجياً (مثل الطاقة)، كذلك تطالب الحكومات الأوروبية بإعفاءات أميركية لحماية خدمة "سويفت" للمعلومات المالية، ومقرها بلجيكا، من الضغط الحالي الذي تتعرض له لقطع كل الروابط مع المصارف الإيرانية في نوفمبر.

إذن تجد الحكومات الأوروبية اليوم نفسها في علاقة عبر الأطلسي أكثر تعقيداً بأشواط، لا تملك هذه الحكومات وسائل كثيرة لتحمي الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية، في حين أنها لا ترغب في تطبيق التدابير المضادة الأساسية التي قد تخفف وطأة مقاربة إدارة ترامب لتطبيق العقوبات، مثل الرسوم الجمركية المضادة. نتيجة لذلك، قد تخضع أوروبا على مضض لموقف واشنطن من إيران، وهي بلد تبقى فيه مصالحها الاقتصادية صغيرة نسبياً ويُعتبر غالباً قوة تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، ولكن إذا أخفقت أوروبا في تطوير رد أكثر فاعلية تجاه العقوبات الثانوية الأميركية، فستقدّم سابقة طويلة الأمد تستند إليها الإدارات الأميركية المتعاقبة بغية التحكم في تجارة أوروبا وسياستها الخارجية.

* إيلي جيرانمايه

* "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"

back to top