البؤساء

نشر في 18-09-2018
آخر تحديث 18-09-2018 | 00:09
من أشد الأمور مرارة أنه من بين 22 دولة عربية لن نجد دولتين يسود بينهما الود والسلام والتعاون، بل ما يسود هو فقدان الثقة والخوف والتوجس من العدوان، فكل دولة تخشى جارتها العربية واستخدامها القوة والقتل والتدمير، وهناك عدد كبير من الأمثلة، ويالها من كذبة تملأ الكون، تلك التي تسمى «الجامعة العربية».
 يوسف عبدالله العنيزي رواية للكاتب الفرنسي الرائع فيكتور هوغو صدرت عام 1862، وتعد من أشهر وأروع روايات القرن التاسع عشر، وقد قام الكاتب فيها بتصوير المجتمع الفرنسي في تلك الفترة، وما كان يعانيه من إحباط وظلم اجتماعي وانتشار للفقر والجهل، والفرق الشاسع بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، مما أدى بالضرورة إلى انتشار الكثير من السلبيات في ذلك المجتمع، التي أطلق عليه الكاتب "الجحيم البشرى"، وقام بتصويره من خلال معاناة بطل القصة "جان فالجان" من ظلم أدى إلى قضائه سنين من عمره خلف قضبان السجون.

في أثناء قراءتي لملخص هذه القصة عادت بي الذاكرة إلى تلك الأوقات الرائعة أيام الدراسة في ثانوية الشويخ مع صحبة طيبة تسر الخاطر ذكراهم... في ذلك الزمن الجميل قمت بقراءة هذه القصة الرائعة، والآن وأنا أقرأ ملخصها وخصوصاً عنوانها "البؤساء" خطر على البال عالمنا العربي، وما يعانيه مواطنوه من بؤس في ظل حروب طاحنة حصدت الأرواح وشردت الملايين ودمرت البلاد، وامتدت على مساحة عالمنا العربي بدول يصل تعدادها إلى "22" دولة قابلة للزيادة ويتجاوز تعداد سكانها 359 مليون نسمة... حقا إننا بؤساء , فلو بدأنا باليمن الذي كان سعيداً، فها هو قد خطفت الحروب منه سعادته وتفتت إلى جماعات يمنية تسعى إلى تحرير اليمن من اليمنيين، فلا يهم الوطن في سبيل مستقبل البلاد! كم كانت صنعاء رائعة بمبانيها القديمة، بأدوارها العالية وهي تستند على بعضها في منظر لا يمكن أن تراه في أي مدينة أخرى في العالم , وقد غدت هذه المدينة وسورها وعرش بلقيس وقصور الملكة أروى وقصر همدان، مقر سيف بن ذي يزن، وناطحاب السحاب في حضرموت ومملكة حمير وتبع وغيرها من حضارات اليمن، وقوداً لهذه الحروب، نعم ألسنا بؤساء؟!

وإذا ما واصلنا السير إلى سورية فقد تم تفتيت الشعب السوري إلى مجموعات يقاتل بعضها بعضاً, وشُرِّدت الملايين من هذا الشعب في كل أنحاء الدنيا، ومازالت رحى الحرب تدور منذ سبع سنوات والله وحده يعلم متى ستنتهى؟ وإذا عبرنا الحدود إلى لبنان الجميل فكم هو مؤلم الوضع هناك، فقد اختفت معالم الدولة وضربت الفوضى بأطنابها في أرجائه، أما الوضع في ليبيا فيمكن تلخيصه بتساؤل صعب: مَن يقاتل مَن؟! وهل الهدف الاستحواذ على ثروات البلاد؟ لقد انتهت ليبيا العظمى... نعم فنحن بؤساء. أما أرض الكنانة مصر فقد قام المصري المجاهد بقتل المصري المجند، وتم حرق وتدمير بيوت الله.

أما قضية العرب الأولى "القضية الفلسطينية" فقد واصلت تراجعها من قضية وطن إلى قضية منظمة "الأونروا", ومن باب الذكرى فقط، عندما كنت أتولى رئاسة البعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق تلقيت اتصالاً هاتفياً من الرئيس ياسر عرفات من "رام الله" استمر حوالي نصف ساعة تحدث فيها، رحمه الله، من بين أمور أخرى عن فترة إقامته في دولة الكويت وإنشاء منظمة فتح. ومن أشد الأمور مرارة أنه من بين 22 دولة عربية لن نجد دولتين يسود بينهما الود والسلام والتعاون، بل ما يسود هو فقدان الثقة والخوف والتوجس من العدوان، فكل دولة تخشى جارتها العربية واستخدامها القوة والقتل والتدمير، وهناك عدد كبير من الأمثلة، ويالها من كذبة تملأ الكون ما يسمى "الجامعة العربية".... والآن وبعد كل ذلك، وهذا قليل من كثير، ألسنا "بؤساء"؟! ودعاء من القلب بأن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top