لا تبدلات مهمة من سورية إلى أفغانستان

نشر في 14-09-2018
آخر تحديث 14-09-2018 | 00:00
 ذي ناشيونال بينما يرتجف خوفاً سكان محافظة إدلب والمهجرون، الذين قصدوها هرباً من الخراب المنتشر في مناطق سورية الأخرى، منتظرين الهجوم الذي يتوقع كثيرون أن ينهي صراعاً دائراً منذ سبع سنوات، فلا شك أن البعض منهم يتساءلون: ماذا حققت إراقة الدماء؟ عندما تنتهي الحرب، لن يكون أكثر من نصف مليون إنسان قد قُتلوا فحسب، بل تحول أيضاً أكثر من ستة ملايين إلى لاجئين، في حين يحتاج ما يفوق ضعف هذا العدد إلى نوع من المساعدة الإنسانية. وعندما تنتهي الحرب، سيظل رجل من آل الأسد على الأرجح حاكماً لسورية، كما كانت الحال منذ عام 1971، ما يضع هذه العائلة في مكانة جيدة تتيح لها بعد ثلاث سنوات الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس حكمها الوحشي في هذا البلد.

ناقش مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام الأحوال في أفغانستان، أشار هذا المقال إلى أن الحكومة تدعي أن حركة طالبان تسيطر أو تنافس على 44 في المئة «فقط» من مقاطعات أفغانستان، إلا أن المحللين العسكريين يذكرون أن النسبة أقرب في الواقع إلى 61 في المئة من المقاطعات.

سمعنا أخيراً بعض الهرج الإيجابي عن محادثات سلام في هذا البلد أيضاً، محادثات تبدو مرجحةً نظراً إلى الوضع على الأرض حيث عادت السيطرة الفعلية على الجزء الأكبر من البلد إلى «طالبان»، كما كانت الحال عند بدء الحرب عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، فمنذ عام 1996 حتى تلك المرحلة، كانت طالبان تسيطر على ثلاثة أرباع أفغانستان، وهنا أيضاً كان الثمن باهظاً جداً مع أننا لم نشهد أي تبدل مهم.

قبل أيام، قتل القناصة الإسرائيليون فلسطينياً آخر لرميه الحجارة على جنود من قوات الدفاع الإسرائيلية، صحيح أن هذا العمل مأساوي ومتجرد كل التجرد من الإنسانية، إلا أنه لا يُعتبر تطوراً جديداً.

من الواضح أن تدابير الولايات المتحدة لقطع المساعدات عن الفلسطينيين بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة التي تدعم اللاجئين ومستشفيات القدس الشرقية تهدف إلى معاقبة الفلسطينيين والضغط عليهم لعدم مجاراتهم المبادرات الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة. وها هي الجهود التي تسعى للتوصل من خلال المفاوضات إلى حل للجمود الإسرائيلي- الفلسطيني تتعطل مرة أخرى، تماماً كما حدث مراراً في الماضي! حتى ترامب أقر، في تناقض واضح مع تفاخره وعجرفته المعتادين وتصريحاته السابقة، بأن إحلال السلام في ذلك الجزء من العالم مهمة صعبة بالفعل.

زال تنظيم القاعدة، ثم تحرك وأعاد بناء نفسه، وربما هُزم تنظيم داعش في الوقت الراهن، إلا أنه لم يزُل أيضاً. قامت ثورات ومحاولات ثورات. رغم ذلك، لم تؤدِ إلى تبدل مهم يُذكر بالنسبة إلى شعوب تلك البلدان، وفي أماكن عدة من هذه المنطقة، بات الوضع أسوأ بكثير.

لم تتبدل نتيجة عقود من الحرب والاضطرابات والموت والأعمال الوحشية، لذلك يُعتبر ربع القرن الماضي فترة من الفرص الضائعة بالنسبة إلى الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط، فبينما فتح التقدم التكنولوجي فرصاً مميزة لمناطق مثل آسيا التي شهدت تحولاً كبيراً خلال هذه الفترة، كانت مناطق واسعة من الشرق الأوسط تتخبط وسط الصعوبات أو ربما أسوأ، وهكذا خسر جيل بأكمله، حتى أولئك الذين لن تؤثر فيهم الصراعات مباشرةً، فرص حياته عموماً.

ولكن من الضروري أن ترى المنطقة كلها والعالم هذه اللحظة من الانتكاسات، والعودة إلى الوضع الذي كان قائماً، وخيبات الأمل، والمآسي على حقيقتها، للتحذير من أنه من دون التبدلات المهمة ومن دون نوع جديدة من القيادة، فسيواجه الجيل الجديد الذي وُلد في هذا القرن المصير ذاته كما أهله.

تستطيع جيوب الأمل التي شهدت نمواً اقتصادياً واجتماعياً، مثل الإمارات العربية المتحدة، أن تؤدي دوراً مهماً في هذه المسألة، ولكن من الضروري أن ندرك جميعاً أن مقاربات العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية إلى حل مشاكل المنطقة أخفقت عموماً وجاء إخفاقها هذا مكلفاً جداً. يجب أن يكون القادة الجدد والأفكار الجديدة، فضلاً عن الإقرار بأن التغيير ضروري، الرسائل التي يلزم أن نسمعها فيما نصغي إلى تلك القصص المأساوية بالتأكيد التي تتسرب من إدلب في الأيام والأسابيع المقبلة.

* ديفيد روثكوبف

* «ذي ناشونال»

back to top