دروس مستقاة من جورجيا وأوكرانيا

تعهد الرئيس الأميركي بالعمل على تحسين العلاقات الأميركية– الروسية بعد اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لكنه اضطر إلى مواجهة روسيا في أعقاب غزوها لجورجيا قبل عشر سنوات. وحاول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أيضاً «إعادة ترتيب» العلاقات مع روسيا لكن غزو الأخيرة لأوكرانيا في سنة 2014 تطلب منه معالجة العدوان الروسي.

وقد تبددت نوايا الرئيسين الأميركيين الهادفة الى تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو في نهاية المطاف نتيجة الطموحات الجيوسياسية الروسية والرغبة في التوجه الى الحرب من أجل الحيلولة دون اندماج جارتيها مع الغرب.

من جهته يعتقد الرئيس بوتين أن محاولات تحميل روسيا المسؤولية عن هذه التطورات ستفشل في نهاية المطاف، ويتمثل التحدي بالنسبة الى الغرب في السعي الى إثبات أن بوتين على خطأ– وهو هدف اشتمل على تعقيدات نتيجة سعي الرئيس دونالد ترامب إلى تحقيق طريقته الفريدة في «إعادة ترتيب» العلاقات مع موسكو التي تنطوي على إذكاء الخلافات العابرة للأطلسي حول روسيا. وليس من الواضح على الإطلاق إذا كان ترامب يهتم بالتعلم من دروس الماضي في تصرفات موسكو، وإذا كان مهتماً نقدم في ما يلي خمسة دروس يمكن أن تساعد في منع حدوث حرب ثالثة، ربما تكون أكثر سوءاً:

1 - لا تستخف بالطموحات الروسية

عليك الاستعداد لمواجهة مناورات روسية تقليدية وغير تقليدية مهما بدت غير محتملة الحدوث، وقد فاجأت حرب جورجيا في عام 2008 الكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة وتركت الحكومة الأميركية في حالة إرباك وتشويش، ولكن ذلك كان يجب ألا يحدث، وكان تفكك الاتحاد السوفياتي قد دفع الولايات المتحدة الى الاعتقاد بمحدودية الدور الروسي، كما سقط الغرب ضحية الافتقار الى التخيل، وسبق أن تم تحذير المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية بضرورة إجراء درجة أعلى من التخطيط للحالات الطارئة، وذلك قبل أشهر من وقوع الأزمة، ولكن من دون جدوى.

من جهة أخرى وعلى الرغم من إشارات التحذير التي صدرت في جورجيا طوال عدة شهور، بما في ذلك تحريك القوات الروسية في داخل أبخازيا في شهر مايو من عام 2008 فإن الإدارة الأميركية كانت غير مستعدة للاستجابة والرد في شهر أغسطس إزاء حرب في جنوب القوقاز.

٢- الانقسامات الغربية

يمكن للانقسامات الغربية أن تشير الى روسيا بأن لديها فرصة للقيام بعدوان من دون خوف من عواقب، والانقسام الغربي حول جورجيا الذي ظهر في قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست خلال شهر أبريل 2008– عندما اختلفت الولايات المتحدة وألمانيا حول قضية عرض خطة عمل عضوية على جورجيا وأوكرانيا– ربما أسهم في استنتاج الرئيس بوتين بأن في وسعه مهاجمة جورجيا من دون خشية من عواقب، وتوصلت قمة بوخارست الى تسوية تقضي بأن تصبح جورجيا وأوكرانيا ذات يوم من أعضاء حلف شمال الأطلسي، لكن ذلك أغضب الرئيس بوتين فيما أظهر تضارباً في مواقف الغرب.

٣- دور التصدي للضغوط

يمكن لمواجهة الغرب والولايات المتحدة الضغوط خلال نزاع ما أن يحد من العدوان الروسي، وقد عادت القوات العسكرية الروسية من تبليسي بسبب عزم الولايات المتحدة المتأخر والفعال على نقل القوات الجورجية جواً وبصورة مباشرة من العراق الى جورجيا على الرغم من صدور تحذيرات روسية في هذا الشأن، وأظهر ذلك تصميم الرئيس جورج دبليو بوش على عدم وقوف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي إزاء محاولة القوات الروسية تدمير جورجيا، وقد قاوم الشعب الأوكراني الهجمات الروسية في دونباس وفرض الغرب بقيادة باراك أوباما ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل عقوبات على روسيا. وفي الحالتين وبشكل جزئي نتيجة هذا الضغط المضاد توقف الجيش الروسي عن التقدم، لكنه احتفظ بما حققه من مكاسب.

4 - الاهتمام الأميركي الأوسع

الاهتمام الأميركي الأوسع في تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو قلل من محاولات بناء تحقيق استجابة دولية منسقة ودائمة إزاء حرب سنة 2008، وقد أنهت جهود أوباما الرامية إلى «إعادة ترتيب» العلاقات مع روسيا من أجل تحقيق أهداف واشنطن في أفغانستان وإيران وكوريا الشمالية والحد من السلاح النووي أنهت الاجراءات الانعزالية التي استهدفت موسكو بعد حرب سنة 2008 ضد جورجيا. وكانت خطوة الولايات المتحدة لإعادة ترتيب العلاقات مع روسيا قصيرة الأجل، وكانت واشنطن مستعدة لتجاهل العدوان الروسي من خلال إعطاء أولوية إلى المصالح المشتركة مع موسكو، كما أن إدارة أوباما نأت بنفسها عن جورجيا وأشارت الى روسيا بأن حربها على جورجيا لن تؤثر كثيراً في علاقاتها مع واشنطن.

5 - غزو أوكرانيا

وكما تأكد ممن خلال غزو روسيا لأوكرانيا في سنة 2014 فإن موسكو ستسمح لجاراتها في الاتحاد السوفياتي السابق بالتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي شريطة استمرار النير الروسي، وكان البعض في الغرب انجذب الى فكرة انقسام العالم الى مناطق نفوذ واعتبر ذلك حتمياً، ولكن مثل هذه الترتيبات ليست مستقرة، وستعيش الدول الواقعة ضمن النفوذ الروسي في ظروف أكثر فقراً وفساداً من الدول الخاضعة لنفوذ الغرب، وإذا حاولت دولة الهرب من السيطرة الروسية، كما تبين لجورجيا وأوكرانيا، فسيكون الغزو هو العقاب الأكيد.

ومن هنا يتعين على الرئيس ترامب التخلي عن فكرة المواقف السليمة لروسيا، وقد تعلمنا دروساً قاسية من روسيا خلال السنوات العشر الماضية، وعلينا الحذر والانتباه والتفكير في خيارات غير محتملة وإعداد الخطط للمقاومة وإظهار الرغبة في استخدامها، وليس التسرع إلى العودة إلى الوضع «الطبيعي» بعد عدوان روسي، كما أن علينا أن نتذكر التحدي الذي تمثله روسيا على الصعيد الاستراتيجي من خلال تأكيدها على مناطق النفوذ.

ويبدو أن الكثير من مسؤولي إدارة ترامب على دراية بهذه الدروس كما أن البعض من سياساته يبدو متماشياً معه، ويتضح ذلك على سبيل المثال في تكثيف العقوبات وفي بيع أسلحة متقدمة مضادة للدروع الى جورجيا وأوكرانيا واستمرار نشر قوات حلف شمال الأطلسي في الدول الواقعة على جناح الحلف الشرقي والشمالي الشرقي.

الاتجاه المعاكس

وعلى أي حال، يبدو أن الرئيس ترامب يسير في الاتجاه المعاكس ويتمسك بفكرة النوايا الحميدة لروسيا ويشجب التحالف الغربي ويسعى الى تعزيز العلاقات الوطنية الدولية، أما الرئيس بوتين– ومن خلال حساباته المبنية على تقييمه لنوايا الغرب– فقد يمضي في مسار عدواني من جديد، ومن هذا المنطلق فإن روسيا التي أقدمت على حربين في العقد الماضي قد تتبعهما بحرب ثالثة تضع الولايات المتحدة في موقع سيئ في الذكرى العاشرة للحرب التي اندلعت بين روسيا وجورجيا.