حرية

نشر في 03-08-2018
آخر تحديث 03-08-2018 | 00:07
الحياة المزدوجة التي يعيشها الكثير هنا ما هي سوى نتيجة طبيعية لتردي مستوى الحريات الشخصية وازدياد جرعة الضغط الاجتماعي الخانق.
 دانة الراشد احتلت الكويت الصدارة بين الدول الخليجية والعربية أيضاً في التقدم والإبداع على جميع الصعد، خصوصاً في الإنتاج الإعلامي والفكري وأقلامه الحرة، وكان ارتفاع سقف حرية التعبير وإبداء الرأي سبب هذا التقدم بشكل أساسي، كذلك كانت فسحة الحريات الشخصية أكبر نسبياً مما أعطى الفرد مجالاً أوسع للتفرد والإبداع وطرح الأفكار الجديدة دون خوف، وذلك قبل دخول موجة التزمّت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، والتي أرهبت الناس وضيقت على حرياتهم باسم الدين زيفاً، وقد ضمن لنا الالتزام بلوائح الدستور أيضاً دولة مدنية قائمة على العدالة والمساواة وحفظ حقوق الجميع.

كانت الكويت كذلك، وكان يا ما كان! أما الآن فقد تفشى الخوف في الأجواء، فأصبح أحدنا يخشى أن يخط حرفاً تعتبره إحدى الجهات «خارجاً» فيُزج به في السجون، حتى إن كان قد أبدى رأيه بكل احترام، وذلك على شتى المنصات من كتب وصحافة ووسائل تواصل اجتماعي.

توضع العراقيل في وجه الكتّاب فتُمنع كتبهم لأتفه الأسباب من قبل أشخاص لم يقرؤوا شيئاً قط، عدا المناهج الدراسية، في حين يتم دعم التفاهة الاستهلاكية وتسهيلها، فهي مربحة بشكل مخيف، وبين هذا وذاك يضيع الإنسان ويصبح وعاءً خاوياً من المعنى.

كذلك الحال في المجالات الإبداعية الأخرى من فنون وموسيقى وتمثيل، فأصبح لا يُسمح بها إلا في دائرة ضيقة وفق قوانين صارمة، أيضاً فإن الرفض الاجتماعي لهذه الفنون قد أحبط العديد من المبدعين عن السير في هذا الطريق الجميل، مما جعل العديد من الدخلاء يشوهون صورة الفن في أعين الناس، لكن على الرغم من ذلك ما زال أبناء الكويت من مواطنين ومقيمين على أرضها ينتجون إبداعات في شتى المجالات على مستوى عالمي، فيتم تقديرهم بالخارج وتجاهلهم– بل منعهم- هنا للأسف.

أما في مجال الحريات الشخصية فإن النفاق الاجتماعي والحياة المزدوجة التي يعيشها الكثير هنا ما هما سوى نتيجة طبيعية لتردي مستوى الحريات الشخصية وازدياد جرعة الضغط الاجتماعي الخانق. فقد احتلت الكويت المركز الـ111 بين 160 دولة في مؤشر حرية الإنسان، متراجعة بذلك 16 درجة عن التصنيف الماضي، وذلك وفق الدراسة الصادرة عن معهد «كاتو»، ومعهد «فريزر». (جريدة الراي، 30 نوفمبر 2016). حقيقة مرة ومؤشر خطير حيث يخلق انعدام الحرية مجتمعا يتبع الزيف والنفاق كأسلوب حياة مقبول، لا عجب إذاً أن الكثير هنا يجد المبررات للغش والتزوير.

إن المجتمع الحر صادق مع نفسه، وبالتالي قادر على مواجهة أخطائه بنضج وتصحيحها نحو التطور والنمو، فالحرية أساس الإنسانية وضرورة لقيام الدولة المتمدنة والمتقدمة، فلا تهابوها.

* «تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل». (فيكتور هوغو)

back to top