وجهة نظر : الإصلاح ضرورة... ولكن في النرويج!

نشر في 03-08-2018
آخر تحديث 03-08-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن على الرغم من الفروق الجوهرية بينهما، يحاكي اقتصاد النرويج الاقتصاد الكويتي في عدد من الخصائص، فكلاهما يتميز باتساع ملكية الدولة في القطاعات الاستراتيجية، والتمتع بمستوى معيشي مرتفع مقارنة مع محيطهما (الأوروبي بالنسبة للنرويج، والعربي بالنسبة إلى الكويت)، ونظام رفاه سخي يعتمد على دخل واحتياطي مالي ناتج عن استغلال مورد طبيعي، هو النفط.

وقد نجحت الحكومة النرويجية إلى حد كبير، منذ أن بدأ إنتاجها للنفط في السبعينيات، في الحد من الآثار السلبية للثروة النفطية على تنوع قاعدة النشاط الاقتصادي وعلى الإنتاجية. إلا أن ذلك لم يمنع من اتساع هيمنة الدولة على الاقتصاد، حيث باتت تملك نحو 40 في المئة من الشركات المساهمة العامة، وخصوصا في قطاعات أساسية، مثل النفط والنقل والتمويل والصناعة والاتصالات.

وقد تسبب الانخفاض الأخير في أسعار النفط، الذي بدأ منذ سنة 2014، في تراجع قيمة شركة النفط النرويجية إيكونور (شتات أويل سابقا)، التي تملك الحكومة 67 في المئة منها، إلى أقل من النصف، كما تسبب في الاستغناء عن نسبة كبيرة من القوى العاملة في الشركة.

ورغم الدور المحدود الذي يلعبه النفط في اقتصاد النرويج، إذ يشكل الدخل منه نحو 20 في المئة من الناتج المحلي للبلاد، ورغم أن حكومة النرويج نجحت في بناء صندوق سيادي من الثروة النفطية هو الأكبر عالميا الآن بأصول تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار، فإنها سارعت، مع بدء التراجع الأخير في أسعار النفط، إلى تبني برنامج إصلاحي طموح يهدف إلى تفادي الآثار السلبية لهذا الانخفاض، والحد من هيمنة بيروقراطية الدولة على الأنشطة الرئيسة للاقتصاد.

برنامج النرويج

تضمّن برنامج الإصلاح الاقتصادي النرويحي إعادة هيكلة شاملة للنظام الضريبي، بهدف تحفيز السلوك الأكثر ملاءمة للنمو، كما تضمن إصلاح القطاع العام، الذي يستوعب نحو ثلث قوة العمل النرويجية، من أجل جعله أكثر كفاءة، وإصلاح قطاع النقل، بهدف تعزيز كفاءته وعائده الاقتصادي عبر الحد من هيمنة الدولة على هذا القطاع، وتفعيل دور القطاع الخاص وزيادة المنافسة في نشاطاته، حيث تمت إعادة هيكلة قطاع السكك الحديدية عبر إخضاعه لآليات السوق، وإنشاء شركة خاصة لتطوير شبكة الطرق السريعة بكفاءة أكبر وتكلفة أقل.

وتضمن البرنامج أيضا تعزيز بيئة أعمال حرة من خلال وقف منح مزايا خاصة لأي طرف، ومنع أي اتفاق مناهض للمنافسة، وضمان التدفق الحر للبضائع والخدمات إلى الأسواق، وإزالة كافة العوائق الإدارية والحواجز التشريعية التي تحد من حركتها.

وترى حكومة النرويج أن بيئة الأعمال الحرة والمنافسة توفران حوافز قوية للانخراط في الابتكار والتكيف مع التكنولوجيا وتعظيم الإنتاجية وضمان إغلاق الشركات ذات الإنتاجية المنخفضة، واستبدالها بنشاطات ذات إنتاجية أعلى.

تضمن البرنامج كذلك إصلاح سوق العمل عبر تحويله إلى سوق مرن يتمتع فيه العمال بالمهارات التي يحتاج إليها أرباب العمل، واعتبار تطوير مهارات وقدرات العمالة شرطا ضروريا من شروط نجاح عملية التحول الهيكلي في الاقتصاد.

إصلاح التعليم

وعلى الرغم من أن النرويج تعد من البلدان المحظوظة من حيث جودة التعليم ونوعيته، حيث تصنف ضمن أفضل 20 دولة بمستوى التعليم في العالم، وفق "استفتاء إن جيه ميد الدولي" لعام 2017، فإنها تجد ضرورة لإصلاح نظامها التعليمي أيضا من أجل تحسين الإنتاجية والتحول الى اقتصاد معرفي. وقد شرعت منذ مارس الماضي في إعادة النظر بالتشريعات واللوائح التي تنظم التعليم العالي من أجل إحداث تغييرات تصل بالتعليم النرويجي إلى المستوى الأمثل.

النرويج هذه، لا أحد فيها يرفض أو يجادل في مدى حاجتها إلى إصلاح تعليمي أو اقتصادي، كما أنه لا أحد فيها يطالب أو يفكر في التخلي عن برامج الإصلاح، لأن سعر النفط قد لامس السبعين دولارا، أو لأن موجودات صندوقها السيادي قد جاوزت التريليون دولار.

back to top