المغربي محمد البلبال بوغنيم: الشعر جنون أبدي وقصيدتي تكتبني

•كشف أنه يبحث عن القصيدة «البلورة»

نشر في 03-08-2018
آخر تحديث 03-08-2018 | 00:11
محمد البلبال بوغنيم أحد أبرز شعراء قصيدة النثر في المغرب. أنتج قصائد عدة ترصد أجواء المجتمع وتناقش قضاياه، ويلمس فيها القارئ بُعداً فلسفياً يعكس نضجه الفكري، وجنونه كشاعر فارق ومختلف. ويؤكد في مقابلة أجرتها معه «الجريدة» عبر الإنترنت أن «الشعر جنون أبدي»، وأنه من دعاة ما بعد الحداثة ويبحث دائماً عن «القصيدة البلورة». فيما يلي نص المقابلة.

أخبرنا عن منطلقاتك في كتابة الشعر.

لا منطلقات لي في كتابة الشعر، بل الشعر هو الذي كتبني. ربما نعيد الأمور إلى مسائل تؤدي فيها الوراثة دوراً، بحكم أن والدي فقيه وجدتي لأبي كانت دارسة لعلوم الدين والنحو والتركيب اللغوي. كتبت أول قصيدة وأنا في الثانية عشرة من عمري، وحين كنت أدرس في المرحلة الإعدادية طلب إلينا المعلم وكان اسمه «ابن عاشور» أن يكتب كل تلميذ موضوع إنشاء، فكتبت موضوعاً وأعطيته الورقة وبعد يومين فوجئت فيه يقيمني بثلاث درجات فقط من عشرين، وحين سألته لماذا؟ قال إن هذا الإنشاء كتبه لك شخص آخر أو نقلته من كتاب. نفيت ذلك وكنت حزيناً للغاية، فأعطاني قلماً وورقة وقال اكتب الموضوع نفسه. فعلت، فأعطاني 14 درجة من 20. هذا الأستاذ الذي كان يكتب الشعر قال لي: لك أسلوب جيد في الكتابة ويجب أن تستمر. اذهب واشترِ دفتراً واكتب في كل مساء ما رأيته وحلمت به. هذه كانت خارطة الطريق بالنسبة إليّ لمواصلة الكتابة.

ماذا يعني الشعر بالنسبة إليك وما أبرز القضايا التي تتناولها في إبداعك؟

الشعر جنون أبدي. يبدأ عند حدود العقل، ويتعداه. الشعر ابن مجتمعه، فالمجتمع يؤثر في الشاعر والأخير بدوره يؤثر في بنية المجتمع. ثمة قضايا عِدة تناولتها في كتاباتي يتقاسمها الذاتي والإنساني والمجتمعي والكوني والطبيعي.. إلخ. أؤمن بأن الشعر لا يمكن أن يكون نمطياً أو يُكتب على منوال واحد أو يكتب للسلطة أو لذاته فحسب. الشاعر يجب أن يكون متنوعاً بين موضوعات السياسة والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وهي أكثر شيء يستفيد منه.

كتبت عن شخصيات عرفتها في مجتمعي، وعن التعليم والصراع الطبقي وألم الإنسان والمسائل الوجودية واللاهوت والفكر العلمي والحروب والسلام. وحاولت في قصيدتي أن أصنع عالماً من الجمال.

الكلاسيكية والحداثة، أيهما سيد الموقف الآن في رأيك؟

أنا من دعاة الحداثة، ومِمّنْ يبحثون عن القصيدة البلورة، التي يسمونها قصيدة ما بعد الحداثة. أبحث عن الجمال داخل كل ما يُكتب. أريد أن أنتج هذه القصيدة، وكما أقول دائماً المسألة مثل الديانة الكونفوشية «حين نقبض على لحظة جميلة نبحث عن لحظة أخرى أجمل منها». كتبت القصيدة العمودية والحداثية، وبصراحة أجد نفسي في الشعر الحديث أو قصيدة النثر، لأنها تسمح لي بحرية أكبر، فالشاعر لا يمكن أن يبدع في مناخ مضغوط أو فيه بؤس.

ثمة من أبدع في القصيدة التقليدية ولكن بشكل حداثي. حاولوا أن يبدعوا بشكل كبير ولي منهم أصدقاء أحترم رأيهم في هذا المنوال. ولا أريد أن أدخل في هذا الصراع، فالقصيدة هي القصيدة، والجمال هو الجمال، سواء كان تقليدياً أو حداثياً. نبحث عن هذه البلورة ضمن قوالب الكتابة كافة.

جمعية ومهرجان

ما الدور الذي تقوم به جمعية «الأمل» للتنشيط الثقافي والاجتماعي باعتبارك رئيسها؟

دخلت جمعية «الأمل» عن طريق المصادفة. حضرت اجتماعاً في حي بالمدينة التي أسكنها، حيث كان أحد الأحزاب السياسية يريد أن ينشئ جمعية وربما كان هدفه سياسياً. شاركت في الانتخابات وحصلت على 79 صوتاً، وصرت رئيساً للجمعية. ولأني بعيد عن العمل السياسي، حوّلت مسار الجمعية من سياسية إلى ثقافية اجتماعية، ثم انطلقنا خارج المدينة ونظمنا أمسيات شعرية في الرباط وفاس والدار البيضاء وغيرها. وأصبحت الجمعية وطنية، ثم تحولت إلى جمعية دولية انبثق عنها «المجلس الدولي للإبداع»، الذي يضم دولاً عدة مثل البرازيل وتشيكوسلوفاكيا والسعودية ولبنان وتونس وماليزيا والهند. كذلك شكلنا مكتباً لهذا المجلس وبدأنا ننظم مهرجانات دولية وننسق مع مهرجانات ثقافية خارج المغرب، ورسالتنا هي السلام والمحبة بين الشعوب تحت شعار «الثقافة في خدمة السلام».

هلا ألقيت لنا الضوء على المهرجان الدولي للشعر والفنون الذي تتولى إدارته وأهم منجزاته؟

مهرجان كبير تتلاقى فيه الفعاليات ويلتقي فيه الشعراء والفنانون والمبدعون من دول العالم، كلهم يحضرون للمهرجان فتتلاشى الاختلافات الإيديولوجية والسياسية ونجتمع على كلمة السلام والمحبة بين الشعراء. نظمنا المهرجان في مدن مغربية عدة، ونرتب لتنظيم مهرجان «رحلة» في ديسمبر المقبل وسيكون عبارة عن رحلة من الدار البيضاء إلى مراكش إلى أغادير، بمشاركة شعراء وكتاب قصة وفنانين.

هل لا يزال صوت المبدع المغربي بلا أصداء في دول المشرق العربي؟

ربما كان هذا في فترة سابقة، وكان للسلطة السياسية دور كبير في ذلك، لأنه حتى المعلومة كانت محتكرة من طرف السلطة، ما شكّل مجتمعات منغلقة، وأحدث تعتيماً ثقافياً بينها. لكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي والعالم الرقمي تغيرت الأمور وأصبحت المعلومة متداولة، وتوافر التواصل بين دول المغرب والمشرق العربي ومع أوروبا، وأصبح العالم قرية صغيرة في المجال الثقافي، والتواصل سهلاً. أكتب قصيدة هنا في المغرب وبنقرة على مفتاح رقمي تصل إلى شخص آخر في الهند.

«مفتون كأحلام المساء»

متأهبٌ للسفر في لجة السراب

مجهول الشذى

وردي على مقاس شفتيك

أنات الجوى فيضٌ هتف:

ارحل..

ارحل..

قلت أرحلُ منكم

وأنات الجوى متكأ لقبيلتي

التي وأدها البرد هذا المطر؟

وأقواس قزح ثنائية المد لا جزر لها

وأنين الذئاب على الهضاب

تسكر ضفادع الطرق فتنتفض وتنتحر

باحثة عن دفء شوق

افتقدته زمن أفول العمداء والرؤساء

لوني بفيضك أيها الجبل أمنحك بوحي

لا لن أسألك ضوئي

فالضوء غاية أهل الكشف

والمرايا تخيفني أحياناً من أحلامي

«الأمل» جمعية ثقافية ترفع شعار «الثقافة في خدمة السلام»

أنا من دُعاة ما بعد الحداثة
back to top