اندماج «بيتك» و«المتحد البحريني»... صفقة كبيرة فلنحسن تنفيذها

المطلوب إتمام العملية بما يحقق قيماً ومهنية تتعلق بالحوكمة والشفافية والمنافسة ومصلحة المساهمين

نشر في 19-07-2018
آخر تحديث 19-07-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
مع إعلان بيت التمويل الكويتي (بيتك) هذا الأسبوع رغبته في توقيع مذكرة تفاهم مع البنك الأهلي المتحد «البحرين»، تمهيدا للاندماج في كيان مصرفي كبير، يكون كلا البلدين على موعد مع تحدي كيفية إتمام هذه العملية بما يحقق قيما ومهنية تتعلق بالحوكمة والشفافية وحماية المنافسة وحفظ أموال المساهمين والمودعين والعملاء، وهي معايير من المفترض أن تصب في مصلحة اقتصادات البلدين والاقتصاد الخليجي عموما.

وبشكل عام فإن صفقة اندماج من هذا النوع تعد سابقة مهمة، يعطي نجاحها بعدا جديدا للعمل المصرفي في الكويت والمنطقة، فضلا عن رفع جاذبية السوق الكويتي، مما يستوجب من الأطراف ذات الصلة كالملاك، والجهات الحكومية المشرفة على العملية، وضع قواعد تكون أساسا عالي المهنية لأي عمليات دمج مستقبلية، ولكي لا يختلط السياسي بالفني فتتعثر العملية بسبب الصراع السياسي أو سوء التنفيذ أو عدم استكمال خطوات ضرورية.

الاندماج في الخليج

منطقة الخليج تعد من المناطق قليلة الخبرة والممارسة في تغطية ملفات الاندماج في القطاعات المختلفة، لاسيما المصرفي منها، فلا يسجل تاريخ المنطقة سوى عمليات اندماج صغيرة بين بنوك هي أقرب لشركات الاستثمار منها للعمل المصرفي، باستثناء الاندماج الذي حدث قبل أقل من عامين بين بنكي أبوظبي الوطني والخليج الأول الإماراتيين وبرغبة حكومية، لينتج عن العملية قيام ثاني أكبر بنك في المنطقة تحت اسم «بنك أبوظبي الأول»، ومن المتوقع أن يكون الكيان الناتج عن دمج «بيتك» مع «المتحد البحريني» ثاني أكبر عملية اندماج في المنطقة بإجمالي أصول محتمل يتراوح بين 85 و90 مليار دولار.

فوائد وقواعد

ولأي اندماج، خصوصا في ظل البيئة المصرفية الصعبة بمنطقة الخليج، فوائد ومنافع، وأيضا قواعد وأصول لا يمكن تجاوزها أو التراخي بشأنها، لأنه وإن ارتبط ظاهريا بمساهمي البنكين فإن آثاره تمتد إلى الواقع الاقتصادي الكويتي من أكثر من جانب.

فإذا كانت هناك مسؤوليات على إدارتي البنكين من جهة الإفصاح والشفافية للمساهمين والأسواق وجهات الإشراف والرقابة فإن ثمة استحقاقات على مؤسسات الدولة المرتبطة بصفقة الاندماج لا يمكن تجاوزها، فمسؤولية بنك الكويت المركزي أساسية لأنها تتعلق من جهة بأهمية تحاشي أي تعارض للمصالح في عملية الاندماج بين الإدارة والملكية، إلى جانب أثر العملية على سلامة القطاع المصرفي كله وأموال المودعين والمستثمرين والعملاء قبل وبعد الدمج، فضلا عن مدى «إسلامية» الكيان الجديد، كون العملية ستضم بنكا إسلاميا بالتأسيس وآخر تقليديا، ويسعى للتحول إلى الصيرفة الإسلامية، إضافة إلى مخاطر الفروع الخارجية لكلا البنكين، وكذلك منع أي مظاهر احتكارية في السوق المصرفي عموما أو في الصيرفة الإسلامية... فهذه التفاصيل ستؤسس قواعد مستقبلية تعطي تجربة مهنية لأي عملية اندماج محتملة في المستقبل.

ملكية وإدارة وتبادل

ويتطلب من الهيئة العامة للاستثمار أن تدرس، بصفتها المساهم الأكبر في البنك، عملية الاندماج المقترحة، بما يحافظ على أموال الدولة واستثمارها - مع العلم أن الهيئة أعلنت نيتها التخارج من «بيتك» قبل عامين، واجلت التنفيذ لضعف سوق الأسهم وقتها - وما يتعلق بدور هيئة الاستثمار ينطبق أيضا على المؤسسات الحكومية التي تدير أموال العملاء، مثل مؤسسة التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لشؤون القصّر والأمانة العامة للأوقاف، إذ تصل حصة الدولة في «بيتك» ما بين ملكية وإدارة إلى 48.05 في المئة، بينما تبلغ من خلال التأمينات الاجتماعية في «المتحد - البحرين» 18.69 في المئة.

ويأتي دور هيئة أسواق المال كضامن لعدالة التنفيذ، من خلال دراسة آلية تبادل الأسهم لتأسيس الكيان الجديد أو سعر السهم حسب الدراسة النهائية وإبداء الرأي بشأنها.

أمثلة عالمية

إذا كانت الكويت، مثلها مثل بقية دول الخليج، تفتقر إلى ثقافة القواعد المنظمة للاندماجات بين الكيانات الاقتصادية، نظرا لمحدودية الممارسة، فإن هناك أمثلة عالمية تقدم نماذج لكيفية الموافقة أو الرفض لأي عملية اندماج في السوق، وفقا لعدة قواعد، أهمها التأكد من حماية المنافسة، إلى جانب قيم أخرى غريبة عن أسواقنا تتعلق بتشجيع الأبحاث والابتكار، والخوف من تراجع كفاءة الأعمال، جعلت سلطات مكافحة الاحتكار تبطل مثلا صفقة اندماج عملاقي التنقيب والحفر والاستخراج النفطي في أميركا «هاليبرتون» و»بيكر هيوز» رغم أن دمجهما سيمول الخزانة الأميركية بالضرائب، وهي نفس القيم التي أفشلت اندماج at&t مع «تي موبايل»، لأن العملية ستقلص هامش المنافسة في قطاع خدمات الاتصالات الخليوية، وبالتالي زيادة الأسعار، وتراجع النوعية والخيارات والمنتجات الجديدة للزبائن.

كما أن قيم المنافسة أفشلت أيضا اندماج اتصالات «تيلياسونيرا» السويدية-الفنلندية ومنافستها «تيلينور» النرويجية، لأن كيانهما الجديد سيسيطر على حصة تبلغ 40 في المئة من حجم السوق.

ونفس القيم والقواعد أعلاه سمحت باندماجات كبرى عالميا، بعضها من شركات لم تستطع الاندماج مع شركات بعينها، إذ توصلت «تي موبايل» إلى صفقة اندماج مع منافستها «Sprint» بعد أن اعتبرت سلطات مكافحة الاحتكار أن دمج الشركتين سيسهم في رفع العوائد الضريبية وتوفير الوظائف والاستثمار في تقنية الجيل الخامس وتطوير أعمالها، والأمر نفسه ينطبق على اندماج «أميركان إيرلاينز» و«يو إس إيرويز» في كيان حمل اسم الأول لمواجهة تحديات سوق الطيران.

كفاءة الأجهزة الحكومية

الخلاصة أن عملية دمج مصرفين ضخمين إقليميا على مستوى «بيتك» و«المتحد - البحرين» مهمة وكبيرة، وأيضا ضخمة، ولا يجوز وصفها بـ«سرقة أو استيلاء»، كما لا يجوز التسرع باعتبارها «صفقة ناجحة وممتازة» بمجرد الإفصاح عن خطوة أولية ستتبعها خطوات كثيرة، كما يجب التفرقة بين سلامة إجراءات إتمام صفقة الاندماج وبين مستقبل الكيان الجديد من حيث الربحية والأداء والنمو.

فالمعيار في التقييم يكمن في مدى شفافية البنكين في التعامل مع المعلومات أولا بأول، ليس فقط لإعلام المساهمين والجهات الرقابية، ولكن أيضا لطمأنة الرأي العام بأن كل الإجراءات تسير بالطريق السليم، إلى جانب كفاءة الأجهزة الحكومية الرقابية والإشرافية في تطبيق القوانين، وفقا لمصالح الدولة واقتصادها ومساهمي البنكين صغارا وكبارا.

منطقة الخليج من المناطق القليلة الخبرة والممارسة في تغطية ملفات الاندماج في القطاعات المختلفة لاسيما المصرفي

اندماجات عالمية نجحت وأخرى فشلت وفقاً للحصص السوقية والأبحاث والضريبة والوظائف وكفاءة الأعمال

لا يمكن المبالغة بوصف عملية الدمج «سرقة أو استيلاء» كما لا يجوز التسرع باعتبارها «صفقة ناجحة وممتازة»
back to top