سياسة المكسيك الجديدة عند مفترق طرق

نشر في 14-07-2018
آخر تحديث 14-07-2018 | 00:00
أوبرادور و دي سيلفا
أوبرادور و دي سيلفا
على الإدارة الجديدة في المكسيك العمل من أجل تنويع نسيج الأعمال التجارية بغية زيادة الإنتاجية، وذلك يشمل وجود دور أكبر في الاقتصاد الرقمي، وإذا أرادت تنفيذ إصلاحات اجتماعية وتحسين الإنفاق العام يتعين عليها في المقام الأول زيادة عوائدها المالية، وذلك يتطلب إصلاحات ضريبية وكعكة اقتصادية أكبر.
ليس سراً أن المكسيك تواجه طائفة من المشاكل الصعبة والمعقدة، ويبدأ ذلك من مستويات الفقر العالية (44 في المئة من السكان فقراء)، ومعدلات الجريمة (سجلت المكسيك مستويات قياسية بلغت 32 ألف جريمة قتل في العام الماضي)، وزيادة في مستويات الفساد (هبط تصنيفها لدى الشفافية الدولية 30 نقطة ليصل الى 135 على مستوى العالم)، كما أنها تصنف في المركز العاشر في التفاوت في العالم، وهي مثقلة بوضع بيروقراطي مقلق حتى على المستوى المحلي.

وقد أثارت هذه الحالة من الأوضاع استياء واسعاً بين أبناء الشعب المكسيكي، وأفضت إلى تحول لافت في السلطة حيث أدت الانتخابات الأخيرة الى نقلة من الحزب الدستوري الثوري (بي آر آي) إلى حركة التجديد الوطنية (مورينا) بقيادة أندريس مانويل لوبيز أوبرادور المعروف على نطاق واسع باسم «أملو» مع ائتلاف ضم الحزب المسيحي المحافظ وأقصى اليسار.

وكان «أملو» حقق انتصاراً مدوياً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعد أن أخفق في انتخابات 2006 و2012، ولكن الغموض لا يزال يكتنف الوضع الاقتصادي في ذلك البلد الذي دخل مرحلة جديدة، والرئيس الجديد هو أول زعيم من جناح اليسار الراديكالي وهو ما أثار قلق قادة الأعمال والمستثمرين الى حد كبير، وتبدو شريحة واسعة من المكسيكيين غير واثقة مما يحمله المستقبل لبلادها.

وتجدر الإشارة إلى أن أفكار وتصورات «أملو» حول كيفية عمل الاقتصاد العصري اليوم نادرة وتتسم بالبساطة– كما أنه وعد خلال حملته الانتخابية بخفض رواتب كبار المسؤولين الحكوميين الى النصف... بمن في ذلك رئيس الجمهورية.

خطة الاكتفاء الذاتي

ويريد الرئيس المكسيكي المنتخب أن تتمتع بلاده بنوع من الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء والبنزين، وتشير التقارير والتقديرات في هذا الصدد الى أن من المرجح أن يزيد مستويات الإنفاق العام من خلال تقديم مساعدات الى القطاع الزراعي والى الطلاب من العائلات الأكثر فقراً وكبار السن والمعاقين. كما أنه يهدف الى تحقيق قدرة وصول شاملة الى الجامعات العامة وتشجيع الاستثمارات على تركيب أجهزة مياه جارية وبنية تحتية للمواصلات في مناطق النصف الجنوبي من البلاد، حيث تبلغ نسبة الفقر نحو 70 في المئة، وأخيراً فقد وعد الرئيس المنتخب بإلغاء مشروع بناء المطار الجديد في مكسيكو سيتي.

وتشير تقارير محلية الى أن برنامج الرئيس يمكن أن يتحول الى تجربة محفوفة بالمخاطر لأنه يشبه إلى حد كبير ما سبق أن قامت به حكومة فنزويلا، وعلى الرغم من كل المخاوف لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس المنتخب الذي شغل منصب رئيس بلدية مكسيكو سيتي في الفترة الممتدة بين سنة 2000 و2005 قد عرف بحكمته وحذره على الصعيد الاقتصادي.

وربما يوجد قدر من التشابه في هذا الصدد بين الرئيس المنتخب وبين الرئيس البرازيلي الأسبق الاشتراكي– الديمقراطي لولا دي سيلفا الذي أثار أيضاً مخاوف الأسواق عندما تسلم الحكم في سنة 2003، وكان دي سيلفا تحدث بشدة خلال حملته الانتخابية ولكن عمد بعد فوزه الى تبني سياسات اقتصادية معتدلة بقدر أكبر.

التعامل مع ترامب

يتعين علينا انتظار إلقاء الرئيس المنتخب كلمته الافتتاحية في الأول من شهر ديسمبر المقبل من أجل الحصول على فكرة أفضل حول ما الذي يعتزم القيام به، وما خطته للمستقبل، ومثل لولا دي سيلفا لدى الرئيس المنتخب الكثير من المفاجآت، وعلى سبيل المثال وإضافة إلى مبادراته وتصريحاته الشعبية فقد أظهر أنه يرغب أيضاً في تجديد معاهدة النافتا وتفادي حدوث حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

من جهة أخرى يعتقد لوبيز أوبرادور أيضاً أن العملة المحلية– البيزو– أقل من قيمتها وهو يريدها أن تتحسن ولكنه يعلم أن ثقة المستثمرين تشكل عنصراً أساسياً في الميدان الاقتصادي، كما قال مستشاره للشؤون الاقتصادية ورئيس الحكومة المقبل ألفونسو رومو في مقابلة أجريت معه في الآونة الأخيرة.

وبحسب ألفونسو رومو فإن الرئيس المنتخب سيسعى الى تعزيز حكم القانون في بلاده، وتحسين بيئة الأعمال من أجل تكريس وتعضيد ثقة المستثمرين وتمكين البيزو من التعويم بحرية (ومن دون تدخلات) في أسواق الصرف الأجنبية إضافة إلى احترام الاستقلال الذاتي للبنك المركزي المكسيكي.

التغيرات الاجتماعية العميقة

وهكذا، وفيما ستعمل الإدارة الجديدة على تطبيق تغييرات اجتماعية عميقة (إعادة توزيع الثروات ومكافحة الفساد والفقر والجريمة) فإنها ستفعل ذلك ضمن الحدود الاقتصادية التقليدية، وسيحافظ الرئيس على الانضباط المالي والإنفاق واحترام الالتزامات التي تمت مع الشركات والبنوك المحلية والأجنبية.

ولدى المكسيك مشكلة أخرى تتمثل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وسعيه الى إقامة جدار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، وتشير المعلومات إلى أن بناء ذلك الجدار المقترح لن يؤثر فقط على الجانب المتعلق بالهجرة، وقد يشمل التجارة والإنتاج والمؤسسات أيضاً، ويضاف الى ذلك تهديدات الرئيس الأميركي المتكررة بالانسحاب من اتفاقية النافتا، وهي خطوة قد تعرض الاقتصاد المكسيكي الى وضع دراماتيكي ونتيجة كارثية.

تداعيات مثيرة

وستصبح مهمة الرئيس المكسيكي صعبة بصورة خاصة إذا حدث ذلك لأن 80 في المئة من صادرات المكسيك توجه الى الولايات المتحدة، كما أن معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتلقاها المكسيك تأتي من جارتها الشمالية أيضاً، وإذا تم رفع التعرفات الجمركية فستحاصر المكسيك تماماً على الرغم من احتمال وجود مخرج من هذا المأزق يتمثل بقيام المكسيك بتنويع أسواق التصدير واتفاقاتها التجارية مع الدول الأخرى.

وفي حقيقة الأمر عمدت المكسيك خلال الفترة الماضية الى استكشاف فرص التعامل مع أسواق جديدة، وهو ما انعكس في اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، وإضافة إلى ذلك بدأت المكسيك بزيادة التعرفة على المنتجات الأميركية مثل الجبنة من أجل جعل الولايات المتحدة تدرك عواقب انسحابها من اتفاقية النافتا، ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن 80 في المئة من صادرات الجبنة الأميركية تذهب الى المكسيك.

تنمية الاقتصاد

تركزت الحملة الانتخابية للرئيس المكسيكي على الجانب المتعلق بإعادة توزيع الثروات في بلاده، ولكن من أجل تحقيق ذلك الهدف سيكون في حاجة إلى كعكة أكبر للتشاطر، وقد جهدت الحكومة المكسيكية بشدة في السنوات القليلة الماضية لتحقيق نمو في اقتصاد البلاد وتخفيف الأعباء الناجمة عن التنظيم من أجل مساعدة الشركات الوطنية كي تصبح أكثر تقدماً من الناحية الفنية وأفضل قدرة على المنافسة، ولكن على الرغم من ذلك لا يزال على المكسيك الكثير من العمل قبل أن تتمكن من تنويع صادراتها بصورة ملائمة ومرضية، وهي تظل دولة محدودة التنمية الصناعية والقدرات الإنتاجية، وتتمثل العقبات الرئيسة في هذا السياق بميادين الابتكار والتجديد والموارد البشرية.

وترجع الإنتاجية المتدنية الى ضعف تدريب قوة العمل، كما أن الزيادة في استثمار العنصر البشري ستسهم في تحسين الابتكار والتنافسية على صعيد الأعمال التجارية، وبدوره يتعين على نظام التعليم في المكسيك ادراك أهمية تدريب العناصر المؤهلة على الأعمال التجارية، وذلك من أجل العمل بصورة محددة في ميادين الابتكارات الرقمية إضافة الى الانتقال إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي.

وهكذا، وفي حين نجحت المكسيك في تحسين بنيتها التجارية فهي لا تزال تعتمد بدرجة كبيرة على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفي حقيقة الأمر فإنها في مركز جيد تماماً لتصدير البضائع والخدمات الى الشركات الأميركية، وهو سبب آخر مهم من أجل إعادة التفاوض حول اتفاقية النافتا، وبكلمات أخرى فإن المكسيك في حاجة إلى المحافظة على علاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل الاستمرار في تحقيق النمو.

ويتعين على الإدارة الجديدة في المكسيك العمل من أجل تنويع نسيج الأعمال التجارية بغية زيادة الإنتاجية، وذلك يشمل وجود دور أكبر في الاقتصاد الرقمي، وإذا أرادت تنفيذ إصلاحات اجتماعية وتحسين الإنفاق العام يتعين عليها في المقام الأول زيادة عوائدها المالية، وذلك يتطلب إصلاحات ضريبية وكعكة اقتصادية أكبر.

رغم أن المكسيك نجحت في تحسين بنيتها التجارية فإنها لا تزال تعتمد بدرجة كبيرة على علاقاتها مع الولايات المتحدة

الرئيس المنتخب سيسعى إلى تعزيز حكم القانون في بلاده وتعويم البيزو في أسواق الصرف الأجنبية
back to top