الجراثيم المعوية ترصد مرض الكبد وتعالجه!

نشر في 13-07-2018
آخر تحديث 13-07-2018 | 00:00
No Image Caption
لا يترافق مرض الكبد الدهني غير الكحولي عموماً مع أي أعراض في مراحله الأولى، لذا قد لا يتم كشفه قبل أن تزيد صعوبة معالجته أو التحكم به. لكن قد يسهم عنصر تطلقه الجراثيم المعوية في تشخيص المرض في مرحلة مبكرة، بحسب الباحثين.
عند الإصابة بمرض الكبد الدهني غير الكحولي، يتراكم فائض من الدهون في الكبد، ما يؤدي إلى إعاقة وظيفته الطبيعية. يبقى بعض الناس أكثر عرضة لهذا المرض، خصوصاً المصابين بالبدانة وارتفاع ضغط الدم والنوع الثاني من السكري. لكن يصعب تشخيصه في مراحله الأولى لأنه لا يترافق مع أعراض واضحة في البداية، من ثم يبقى المرض «خفياً» إلى أن يبلغ مرحلة أكثر تقدماً ويسبب ضرراً في الكبد.

لهذا السبب، يسعى الباحثون إلى إيجاد طرائق لرصد مرض الكبد في بداية نشوئه للتمكن من معالجته في أسرع وقت.

يعتبر خبراء من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا الآن أن رصد مرض الكبد الدهني غير الكحولي في مراحل مبكرة ممكن من خلال تحليل بعض المؤشرات الحيوية في الأمعاء.

يوضح الأستاذ خوسيه مانويل فرنانديز ريل من جامعة «جيرونا» في إسبانيا: «اكتشفنا روابط مثيرة للاهتمام بين تركيبة البيئة الميكروبية في الأمعاء وبين دهون الكبد وأيض الكربوهيدرات. تسمح هذه الروابط بتفسير ما يمنع نشوء دهون الكبد لدى 30 % من الأشخاص البدينين بشدة رغم زيادة هائلة في كتلتهم الدهنية». نُشرت نتائج البحث في مجلة «الطب الطبيعي».

مؤشر جديد على تشكّل دهون الكبد

حلل الباحثون بيانات طبية مهمة تعود إلى مئة امرأة بدينة. لم تكن هذه المجموعة مصابة بالسكري لكنها أصيبت بمرض الكبد الدهني غير الكحولي. عمد فريق البحث إلى تحليل سلسلة عيّنات مأخوذة من المشارِكات، من بينها عيّنات دم وبول وبراز وخزعات من الكبد.

قارن الباحثون تلك المعطيات ببيانات مأخوذة من أفراد أصحاء لتحديد أي اختلافات واضحة بين المجموعتين. كشف تحليل مفصّل أن ارتفاع مستويات عنصر حمض الفينيل أسيتيك الذي يطلقه بعض الجراثيم المعوية يرتبط بتراكم فائض من الدهون في الكبد وبداية نشوء مرض الكبد الدهني غير الكحولي.

من ثم، يمكن اعتبار حمض الفينيل أسيتيك مؤشراً حيوياً على مرض الكبد الدهني غير الكحولي، لذا يمكن الاتكال على فحص دم بسيط لتشخيص هذه الحالة.

تقول المشرفة على الدراسة ليسلي هويلز من جامعة «إمبريال كوليدج لندن» في بريطانيا: «ربما يسمح لنا هذا البحث بكشف مؤشر حيوي على نشوء المرض. عموماً، يثبت البحث أن البيئة الميكروبية تؤثر حتماً في صحتنا».

لكن اكتشف العلماء أيضاً أن مرض الكبد الدهني غير الكحولي يرتبط بتغيرات معيّنة في تركيبة البيئة الميكروبية المعوية.

غموض مستمرّ؟

لاحظ الباحثون أن عدد الجينات المشفّرة من الجراثيم المعوية تراجع بوتيرة تدريجية تزامناً مع تطور مرض الكبد الدهني غير الكحولي، ما يعني أن البيئة الميكروبية زادت ضعفاً وأصبحت أقل تنوعاً في تركيبتها الميكروبية.

من المعروف أن عدد الجينات النشيطة والمشفرة من الجراثيم المعوية يكون أكبر بـ500 مرة تقريباً من عدد الجينات الموجودة في الحمض النووي البشري، لكن لا تزال طريقة تأثير هذا الجانب في الوضع الصحي العام والوظائف البيولوجية غامضة.

مع ذلك، يظن العلماء أن قلة تنوع البيئة الميكروبية في الأمعاء قد تشير إلى تدهور الصحة. يحمل المصابون بأمراض أيضية مثلاً عدداً أقل من الجينات النشيطة والمشفّرة من الجراثيم المعوية.

رصد الباحثون المشاركون في الدراسة الراهنة رابطاً مماثلاً على مستوى مرض الكبد الدهني، فلاحظوا أن قلة تنوع البيئة الميكروبية المعوية ترتبط بأعراض المشاكل الأيضية، من بينها التهاب الكبد وعدم التجاوب مع هرمون الأنسولين الذي يُعتبر أساسياً لتنظيم مستويات السكر في الدم.

عند مراجعة دراسات أخرى جرت على نماذج حيوانية، اكتشف الباحثون أن زيادة مستويات حمض الفينيل أسيتيك لدى الفئران السليمة أدت إلى تراكم الدهون في أكباد القوارض.

كذلك، أدى دسّ كتل براز مزروعة ومزوّدة بعينات مأخوذة من مصابين بمرض الكبد الدهني غير الكحولي لدى فئران استعادت بيئة ميكروبية معوية نظيفة بفضل المضادات الحيوية إلى نشوء دهون في أكباد القوراض أيضاً.

تشير هذه الأدلة كلها إلى وجود رابط قوي بين ضعف البيئة الميكروبية المعوية وتغيّر المجموعات الجرثومية ونشوء مرض الكبد الدهني غير الكحولي. مع ذلك، لم يتضح بعد مدى قدرة تلك التغيرات في الجراثيم المعوية على التسبب بالمرض أو قدرة المرض على إحداث تلك التغيرات.

تقول ليسلي هويلز: «تثبت المعطيات العلمية أن البيئة الميكروبية تتغير عند الإصابة بمجموعة من الأمراض. لكن قد لا نعرف المُسبّب الأول للخلل وقد لا نرصد بالضرورة علاقة سببية بين العاملَين».

تبسيط تقنيات الفحص المستقبلية

يشعر الباحثون المشاركون في الدراسة الراهنة بالحماسة بشأن نتائجهم والاحتمالات الجديدة التي قد تُمهد لها على مستوى تقنيات التشخيص.

يوضح المشرف الأساسي على الدراسة مارك إيمانويل دوماس: «لا شك في أن احتمال استعمال الإشارات الكيماوية التي تنتجها الجراثيم المعوية للكشف عن الأمراض مفهوم مثير للاهتمام. من ثم، قد نتمكن يوماً من الاتكال على فحص بسيط في العيادة لرصد أولى مؤشرات المرض». لكنه يلفت إلى أن هذه الأنواع من الفحوص قد لا تظهر في العيادات قبل سنوات.

بحسب رأيه، تقضي الخطوة المقبلة بتحسين طريقة فهمنا حمض الفينيل أسيتيك وكيفية استعماله كأداة لتشخيص مرض الكبد الدهني. يأمل دوماس أيضاً بأن يتمكن العلماء مستقبلاً من منع نشوء مرض الكبد الدهني غير الكحولي من خلال استهداف البيئة الميكروبية في الأمعاء.

أضاف دوماس: «يجب أن نستكشف هذا الرابط الآن بدرجة إضافية ويجب أن نعرف مدى قدرتنا على استعمال بعض المركّبات، مثل حمض الفينيل أسيتيك، لتحديد المرضى المعرّضين للخطر أو حتى توقع مسار المرض».

ختم: «من الناحية الإيجابية، قد يسمح لنا التلاعب بالجراثيم المعوية بمنع نشوء مرض الكبد الدهني وتجنب مضاعفاته التي تؤثر في القلب والأيض على المدى الطويل».

قلة تنوّع البيئة الميكروبية المعوية ترتبط بأعراض المشاكل الأيضية
back to top