شكوك بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي

نشر في 12-07-2018
آخر تحديث 12-07-2018 | 00:05
 بروجيكت سنديكيت بحلول عام 2018 كانت معظم اقتصادات العالم تتعافى بشكل متزامن ودوري، وبدا ذلك وكأنه بداية لتنمية مستدامة ستستمر أكثر مما مضى، ونهاية لركود اقتصادي بدأ عام 2008 ودام عقدا من الزمن، ورغم الصدمة التي خلفها خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والاضطرابات بشأن الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية، وتصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن ارتفاعا في الاستثمارات والأجور وانخفاض معدل البطالة أمور قد ترى النور قريبا.

ورغم كل هذا وكما حذرت في يناير الماضي، فقد "انتقل المزاج العالمي من الخوف من المخاطر السياسية إلى عدم الوعي بما يحدث، رغم أن العديد من تلك المخاطر مازالت تبدو كبيرة"، ورغم تحسن كل المؤشرات العالمية المفضلة لدي، فإنني كنت قلقا بشأن ما إذا كان هذا التحسن سيستمر بعد النصف الأول من عام 2018، نظرا للتعقيدات التي يمكن رصدها كالسياسة المالية التي تعرقل الاقتصادات المتقدمة، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية.

وما حدث فجأة هو أننا في منتصف 2018 وبعض هذه المؤشرات لم يعد إيجابيا كما كان، ورغم أن مؤشر مديري عمليات الشراء لشهر يونيو بالمعهد الأميركي لإدارة الإنتاج ما زال قويا، فبعض استطلاعات الرأي المماثلة حول العالم ليست قوية كما كانت قبل ستة أشهر، والأهم من ذلك فإن الأنشطة التجارية تراجعت في كل من الصين وأوروبا.

وهناك مؤشر آخر يتمثل بالمعلومات المتعلقة بالتجارة في كوريا الجنوبية التي تنشر شهريا، وقبل أي دولة أخرى، ففي الأول من يوليو علمنا أن صادرات كوريا الجنوبية انخفضت عاما بعد عام في يونيو 2018، وفي حين كان عام 2017 مميزا فيما يتعلق بقوة صادرات البلد الاسمية، كانت 2018 بداية لشهور عديدة من التراجع، وما يثير السخرية هو أن هذا الركود تزامن مع تحسن العلاقات مع أميركا الشمالية، في حين شهد العام الماضي تقدما اقتصاديا رغم التهديدات بشأن الأسلحة النووية الأميركية.

ويتطلب تراجع صادرات كوريا الجنوبية تحليلا تتبعيا عقلانيا للمعلومات التجارية المتعلقة الاقتصادات الكبرى، وتلك المتعلقة بكوريا الجنوبية فور نشرها، ونظرا للارتفاع المقلق للضرائب التي فرضها ترامب على واردات أميركا والإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الصين والاتحاد الأوروبي وغيرهم، فليس من الغريب أن يستمر تراجع التجارة العالمية.

وبغض النظر عما قيل سلفا، يجب ألا نعتقد أن تراجع التعاملات التجارية نتجت بشكل مباشر عن الضرائب، فنحن لم نفشل بشكل شامل وجهوي فيما يخص الصادرات، لكن المعلومات المتاحة خلال العشرين يوما الأولى من شهر يونيو تقول إن صادرات كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة الأميركية والصين كانت في الحقيقة كثيفة، في حين كانت الصادرات إلى جمعية دول شرق جنوب آسيا والشرق الأوسط ضعيفة. وإذا بقيت الحال على ما هي عليه فليس هناك ما يدعو للقلق بشأن تراجع التجارة العالمية القوية خلال الأشهر 18 الأخيرة.

وفي جميع الأحوال، فنحن نعيش في زمن تسيطر فيه الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي، وحسب دراستي، ترجع نسبة 85% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في العالم كله منذ 2010 إلى هذين البلدين، وترجع 35% من هذا النمو إلى الولايات المتحدة الأميركية في حين تساهم الصين بنسبة 50%، وطالما اقتصاد الصين والولايات المتحدة الأميركية بخير فمن المتوقع أن يحافظ الاقتصاد العالمي على ما يقارب 3.4 من نمو الإنتاج السنوي.

وفيما يخص بقية العالم، فقد كانت المؤشرات الاقتصادية في مثل هذا الوقت من العام الماضي وفي أوائل عام 2018 تشير إلى أن العديد من التجارات الضعيفة بدأت تتحسن، وفي القيمة الحقيقية مقارنة بالقيمة الاسمية، شهدت كل من البرازيل والاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا ركودا خفيفا منذ 2010، لكنها بدأت تتحسن في 2017.

فعلى سبيل المثال، في نفس هذا الوقت العام الماضي، ظهرالاتحاد الأوروبي وكـأنه يتعافى بشكل قوي ودوري وشامل ومستمر. لكن الامر لم يعد كذلك. إذ شهدت الاقتصادات الكبرى مثل فرنسا وألمانيا تراجعا، ربما لخوفهما من حرب تجارية عالمية. وبالطبع فقد ساهمت المفاوضات البطيئة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحكومة إيطاليا المناهضة للبناء وأزمة سياسية داخل أوروبا بسبب الهجرة في خلق اقتصاد غير مستقر، ويمكن أن تكون لأزمة الهجرة عواقب وخيمة على كل من حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتماسك الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤكد أن الركود الاقتصادي في أوروبا قد يكون مؤقتا وأن مؤشر مديري العمليات الشرائية قد يرتفع شيئا ما في يونيو، بعد أشهر قليلة من الركود، ومن الجنون محاولة منع حدوث ما هو أسوأ.

ومع ذلك، وكما رأينا، فاستدامة النمو العالمي تعتمد بشكل كبير على أميركا والصين، وإذا كانت هذه الدول ستبدأ حربا تجارية عن طريق فرض ضرائب انتقامية، فسيخسر الجميع بما في ذلك الاقتصاد العالمي، وفي الولايات المتحدة الأميركية الني تصل نسبة الاستهلاك فيها إلى ما يقارب 70% من الناتج المحلي الإجمالي تعد التجارة الدولية الإيجابية ومناخ استثماري صديق ومستقر ضروريين للنمو المستدام، ونأمل أن يتمكن شخص قريب من ترامب من تغيير رأي هذا الأخير قبل أن تعرقل سياساته تحسن الاقتصاد العالمي الذي طال انتظاره.

* جيم أونيل

* الرئيس السابق لإدارة أصول "غولدمان ساكس"، والوزير السابق للخزينة في بريطانيا، وأستاذ الاقتصاد في جامعة مانشيستر ورئيس سابق للمراجعة التابعة للحكومة البريطانية بشأن مقاومة البكتيريا.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top