المحكومون بالحب!

نشر في 12-07-2018
آخر تحديث 12-07-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري يسألونك عن: الشوق، والوله، والحنين، أقول، وما سوف أقوله غير مذكور في القواميس ولا بالنواميس، حتى لا أُوصف بذي علم، فما هو إلا اجتهاد في الحب، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي وشيطان قلبي!

أما الشوق يا سادة، فهو كالطفل المشاغب، فيه كل ما تحب أن تراه بطفل، لكنه مدلل مزعج، جميل بهيّ الطلعة، إلا أنه مشاكس، وعنيد لن يتوقف عن إلحاحه في طلب حاجته، فإن سددت بوجهه طريقاً لتكرار طلبه، فلن تعجزه الحيلة في إيجاد طريق آخر لتكراره، يساعده في ذلك فطنة وذكاء يجعلانك أحياناً ترضخ ساعيا لتحقيق إرادته، فقط من باب التقدير لهما! ورغم شغبه وطيش تصرفاته التي قد تصل حد الكارثية، فإن في ملامحه سحر براءة، وجمال مظهر، كمن يرتل بوجه ناظره آيات الضعف، لذا كثيراً ما نال المغفرة وطوي سجل ذنبه بسبب ذلك! إلا أن ذلك لا يمنع كونه مثبتا لدى الأدلة الجنائية في الحب على أنه "مسجلُ حذر"، فكثير من جرائم الحب التي حدثت على مرِّ التاريخ وُجدت قرائن تدين الشوق، لكن لم يثبت حتى الآن دليل قاطع ضده، ولا أظنه يحدث!

أما الحنين، فرجل كبير في السن، يربي حقول الثلج في صدغيه وذقنه، يعالج أمر جمرة عالقة في صدره منذ وعى الدنيا. قال بعض غزيري العلم إنه عيب خلقي يمكن إصلاحه، فيما يرفض هو ذلك رفضاً قاطعاً، فقد نذر عمره حارساً لتلك الجمرة من عواصف الثلج التي بقي معظم ملامح وجهه، وإن سألت حارس الجمر عن حكمته في فعل ذلك، أجابك من وراء شباك بياض في وجهه: إنها شعلة الحب!

كلما نما شيب الرماد بوجه تلك الجمرة، أطعمها بعض الذكريات، فيعود وجهها متوردا، تسري الداء في عروقه. يُذكر أن بعض حراس الحنين لم يجدوا ما يطعمونه للجمرة تلك، فأكلها الرماد، وأسدل الستار على قصة حب في مكان ما!

الحنين حارس الدفء في سجن الغرام! كلما خبا وهج جمرة حطب لها من الأغصان اليابسة في شجرة الحب ووضعه بجوفها، فالمحبون الذين يتركون أشجار حبهم لليباس، لن يكونوا عوناً للحنين في حراسة تلك الجمرة، وان مآلها للرماد.

أما الوله، فهو حارس السجن الذي يقبع فيه ذلك الطفل المسجل حذر، والعجوز الطاعن في الجمر، لقضاء محكوميتهما، وهو آمر السجن في ذات الوقت. وحساسية الوله أنه ملزم بمهمتين؛ الأولى أن يرتكب مغامرة إعطاء الطفل أقصى ما يمكن من الحرية، مع احتمال ما قد يسببه ذلك من أفعال قد تكون قاتلة للحب. والمهمة الثانية بذل جهد دائم ومستمر لإعانة الرجل العجوز على الوفاء بنذره، من خلال حماية الشجرة من اليباس، فكلما يبس غصن فيها ورّق آخر، ومنح غصناً آخر لينا، أي غلطة في هاتين المهمتين، جرح لن يسهل رتقه!

هؤلاء هم المحكومون بالحب، وهذه أوصافهم، وأعوذ بالحب إن قادني الزلل!

back to top