متلازمة «ريدوك»... امرأة كفيفة ترى الأشياء المتحركة!

نشر في 11-07-2018
آخر تحديث 11-07-2018 | 00:00
No Image Caption
في عملية تحليل الدماغ الأشمل لشخص كفيف حتى اليوم، وضع باحثون خارطة المسارات العصبية لامراة في الثامنة والأربعين من عمرها لا تستطيع رؤية الأشياء إلا عندما تتحرك.
يكتب عالم الأعصاب أوليفر ساكس، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً The Man Who Mistook His Wife For A Hat (الرجل الذي خال زوجته قبعة): «تثير معجزة مرونة الجهاز العصبي وإعادة انتشاره اهتمامي كثيراً».

لا شك في أن قدرة الدماغ على إصلاح نفسه بعد التعرض لإصابة مذهلة. تشكّل هذه القدرة المذهلة، التي تُدعى المرونة العصبية أو مرونة الدماغ، الوسيلة التي تتيح لأدمغتنا تبديل مسار وصلاتها للتعويض عن أي قدرات قد تخسرها.

تشمل الظواهر المعروفة التي ترجع إلى المرونة العصبية اشتداد حاسة السمع غالباً نتيجة فقدان النظر. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الدراسات أن خسارة حاسة اللمس تؤدي أحياناً إلى تحسين حاسة الشم، ما يشير إلى أن الدماغ أعاد وصل الحواس التي لا تزال فاعلة بغية التعويض عن خسارته.

يُعتبر التعافي بعد السكتة الدماغية أمراً مستحيلاً أيضاً لولا مرونة الدماغ. لما كان الأخير يعالج المعلومات الحسية والإشارات الحركية بشكل متوازٍ، فمن الممكن التعويض عن فقدان وظيفة حركية بتحفيز الدماغ بإشارات حسية وحركية و{تعليمه» معالجتها عبر مسار مختلف.

ولكن للمرونة العصبية أيضاً تجليات أكثر ندرة وأقل شهرة، ويوثّق بحث جديد إحداها. في دراسة تستحق بالتأكيد إحدى «روايات ساكس السريرية»، وضع باحثون خارطة دماغ امرأة لا تستطيع رؤية الأشياء إلا أثناء تحركها.

قرَّر الباحثون، بقيادة البروفسورة جودي كولهام من قسم علم النفس وبرنامج الدراسات العليا في علم الأعصاب في جامعة ويسترن في مدينة لندن الكندية، دراسة هذه الحالة بعمق أكبر من خلال رسم خارطة دماغ هذه المرأة. ونشروا اكتشافاتهم في مجلة Neuropsychologia.

دماغ يعاني متلازمة ريدوك

خسرت ميلينا كانينغ بصرها في سن الثلاثين بعد سلسلة سكتات دماغية وعدوى تنفسية. عندما استيقظت من غيبوبة دامت ثمانية أسابيع، بدأت ترى لمحات عن أشياء تتحرك، علماً بأنها لا تراها إن كانت جامدة في مكانها.

وهكذا صار بإمكانها رؤية المطر من النافذة لأنه يتساقط، بيد أنها تعجز عن مشاهدة أي أمر آخر عبر النافذة. وإذا كان الماء، مثلاً، يلتف متجهاً نحو مصرف حوض الاستحمام، تراه. أما إذا كان الحوض ممتلئاً بماء ساكن، فلا تستطيع رؤيته.

استخدم الفريق، الذي قادته البروفسورة كولهام، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بغية دراسة المسارات العصبية في دماغ كانينغ، فكشف البحث أنها تعاني حالة نادرة تُدعى متلازمة ريدوك.

تشير متلازمة ريدوك، التي تُعرف أيضاً بالانفصال التوازني الحركي، إلى قدرة مَن يعانون إعاقة بصرية على رؤية الأشياء أثناء حركتها وعجزهم عن مشاهدتها أثناء سكونها.

لوحظت هذه المتلازمة «لدى أشخاص يعانون آفات في المسارات البصرية الخلفية أو الفص القذالي.

في حالة كانينغ، توضح البروفسور كولهام أن هذه المرأة «خسرت قطعة من أنسجة الدماغ بحجم تفاحة في الجهة الخلفية من دماغها، أي ما يعادل كامل فصها القذالي، الذي يعالج البصر».

الدماغ يطوّر «طرائق خلفية»

في الدراسة، طلب الباحثون إلى كانينغ المشاركة في بعض الاختبارات. دحرجوا، مثلاً، طابات نحوها، واستطاعت أن «تحدد حركتها، واتجاهها، وحجمها، وسرعتها».

نجحت هذه المرأة في وقف الطابات والإمساك بها في الوقت المناسب، وتمكنت في التنقل حول مجموعة من الكراسي. توضح البروفسورة كولهام: «نعتقد أن الطريق السريع في جهاز الرؤية بلغ حائطاً مسدوداً».

«ولكن بدل تعطيل كامل جهازها البصري، طوّرت بعض «الطرائق الخلفية» التي نجحت في تخطي الطريق السريع ومنحت أجزاء أخرى من الدماغ رؤية محدودة، خصوصاً الحركة»، وفق البروفسورة.

إذاً، سلك دماغ كانينغ درباً غير متوقع في محاولة للتغلب على الإصابة، معرباً عن مرونة عصبية مذهلة بكل معنى الكلمة. وتعلّق البروفسور كولهام، التي قادت هذه الدراسة، على هذه الاكتشافات، قائلةً: «يُعتبر هذا العمل أغنى توصيف أُجري لجهاز مريض واحد البصري [...] يمنحنا مرضى مثل ميلينا لمحة عما هو ممكن. لكن الأهم من ذلك أنهم يقدمون لنا معلومات عن الوظائف البصرية والمعرفية التي تتلازم».

من الممكن التعويض عن فقدان وظيفة حركية بتحفيز الدماغ بإشارات حركية و{تعليمه» معالجتها عبر مسار مختلف
back to top